مقالات في اللسانيات الحاسوبية

أهمية المعالجة الآلية للغات الطبيعيّة

د. عبدالعزيز بن عبدالله المهيوبي

انتشرت المعالجة الآلية للغات الطبيعيّة انتشاراً واسعاً، فقد تهيأت اللغة للمعالجة الآلية بدخولها مجالات التحليل الرياضي والمنطقي والإحصائي، وتهيأ الحاسوب للقائه مع اللغة بالسرعة الفائقة، وسعة الذاكرة، وصِغر الحجم، وسهولة النقل والاستخدام، يضاف إلى ذلك ظهور لغات البرمجة الحديثة، وأساليب الذكاء الاصطناعي.

ويتطلب ميدان اللسانيات الحاسوبية تعاوناً جماعياً ومباشراً بين علماء اللغة، وعلماء الرياضيات، وعلماء الحاسوب، وعلماء الذكاء الاصطناعي. فإذا اجتمعوا في مكان واحد، أسهموا في وضع نظامٍ لسانيٍّ حاسوبيٍّ متكاملٍ.

استطاعت اللغات الطبيعية في ظل المعالجة الآلية أن تكون أكثر انضباطاً واكتمالاً، إذ وجدت لنفسها أدواراً جديدة متنوعة لم تألفها من قبل، كتصميم لغات البرمجة، ونُظم تخزين المعلومات. وقد خطت اللغة الإنجليزية خطوات واسعة وواثقة في هذا المجال، واستطاعت تحقيق ذاتها عبر تطبيقات كثيرة، في حين لا تزال اللغة العربية تخطو أولى خطواتها في هذا المجال.

“وتتجلى أهمية المعالجة الآلية للغة، في أنَّ نتائج التحليل اللغوي في الحاسوب ستكون أكثر موضوعية ودقة، فعبر المعالجة الآلية المضبوطة لن يكون هناك مجال للحدس والشعور في عمل الباحث؛ لأنَّ النتائج التي يقدمها الحاسب الآلي هي نتائج موضوعية ومُبَرْهَنة”[1]، كما أنَّ إخضاع اللغة للمعالجة الآلية سيسهم في تعليم اللغة للناطقين بها، والناطقين بغيرها، وبناء برامج الترجمة الآلية للنصوص، وتطبيقات اكتشاف الأخطاء وتصحيحها، والتعرف الآلي على الكلام المنطوق، وقراءة النصوص المكتوبة، وضغط النصوص، وفهرستها، وضبطها بالشكل.

واللغة العربية من أكثر اللغات الطبيعية طواعية للمعالجة الآلية؛ إذ تملك نظاماً خاصاً بها يجعلها أكثر قابلية لأنْ تُمَثَّلَ حاسوبياً، ولا سيّما على المستوى الصرفي؛ فهي ” لغة ذات نظام دقيق وأنيق، تركيبياً ودلالياً، ومعجمياً”[2]. وقد بُذلت أخيراً جهودٌ حثيثة بهدف معالجة اللغة العربية حاسوبياً، حيث أثبتت البحوث والدراسات الحديثة إمكانية تمثيل ما تَوَصَّل إليه اللغويون القدماء حاسوبياً. وقد قام الدكتور عبد الرحمن الحاج صالح بدراسات صوتية على مستوى الصوت، والحركة، والسكون، والهمس، والجهر، استطاعت من خلالها الآلة التأكيد على دقة النتائج التي توصَّل إليها علماء اللغة القدماء.[3]

[1] الوعر، مازن، دراسات لسانية تطبيقية، دمشق، دار طلاس، الطبعة1، 1989م، ص321.

[2] المرجع السابق، ص377.

[3] يُنظر: صالح، عبد الرحمن الحاج، تكنولوجيا اللغة والتراث العربي اللغوي الأصيل، عمّان، من منشورات مجمع اللغة العربية الأردني، 1984م

0 Reviews

Write a Review

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى