مقالات في اللسانيات الحاسوبية

المعالجة الآلية لصرف العربية (المشتقات الاسمية)

د. عبدالعزيز بن عبدالله المهيوبي

لقد سعى علماء الحاسوب منذ أكثر من نصف قرن إلى اختراع نظام قادر على تقليد كل أشكال التفكير البشري التي يمكننا التعبير عنها بلغة طبيعية إذا بُرمِجَ هذا النظام بشكل ملائم ودقيق؛ فالدماغ البشري أشبه ما يكون ببرنامج حاسوبي، “فطوروا من خلال مشروع الجيل الخامس حاسوبًا لغويًا في بنيته ونظامه وتطبيقاته، حاسوبًا ذكيًا قادرًا على التعامل اللغوي، تحليلًا وتركيبًا يميِّز الأصوات ويولدها، ويحلل النصوص ويؤلفها، ذو قدرة على توصيف المشاكل وحلها، والتأكد من صحة المعطيات، واستخلاص النتائج، وإيجاد الحلول. لقد فتح هذا النجاح الباب على مصراعيه لكثير من التطبيقات اللغوية التي ظلت لوقت قريب من قبل الخيال العلمي، وأهمها الترجمة الآلية، وإجراء الحوار بين الإنسان والآلة بلغة طبيعية”[i].

واللسانيات الحاسوبية فرع من فروع اللسانيات يسعى إلى الاستفادة من التقنيات الحديثة، وتقنيات الذكاء الاصطناعي، والمتمثلة في الحاسوب، لدراسة القضايا اللغوية المتعددة، “مثل رصد الظواهر اللغوية بمستوياتها الصوتية والصرفية والنحوية والدلالية والبلاغية والعروضية، ويهدف إلى معالجة عمليات تحليل تلك الظواهر، وإجراء العمليات الإحصائية، وصناعة المعاجم، والترجمة الآلية، وتعليم اللغات”[ii]. كما نهتم اللسانيات الحاسوبية ببناء خوارزميات رياضية لغوية، لدراسة اللغات الطبيعية بوصفها “ظاهرة حاسوبية معلوماتية يمكن معالجتها آليًا من خلال الحاسوب”[iii].

“لقد باتت اللسانيات الحاسوبية غاية في الأهمية في عصر المعلومات والعولمة، ذلك أن العولمة تعتمد على الحاسوب واستخداماته في نشر ثقافتها ولغتها، وقد سيطرت اللغة الإنجليزية على صفحات الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) وأصبحت اللغة الأولى في العالم، بل إنها فاقت في أهميتها اللغات المحلية والوطنية، ومن هنا وجد أصحاب هذه اللغات، ومنها العربية، خطر الإنجليزية يتهددهم في عُقر دارهم، فلجأوا إلى اللسانيات الحاسوبية من خلال النشر الإلكتروني باللغات المحلية، والاستفادة من إمكانيات الحاسوب في خدمة لغاتهم، كتعريب البرامج، وبناء تطبيقات لتحليل[iv] كلمات اللغة، وتوليدها”[v].

إنَّ مستقبل لغتنا العربية وثقافتنا، بل واقتصادنا متوقف على مدى قدرتنا على اللحاق بركب التقنية، “والاندماج الإيجابي والمنتِج في المسلسل التكنولوجي والعلمي الحديث، وإنَّه لعمري رهان حضاري ومسؤولية جسيمة؛ إذ اللغة قبل كل شيء مسكن الكائن البشري وملاذه، فبقدر ما كانت لغتنا ممسكة بأسباب العلم، ومنتجة للحداثة، كنّا نحن أبناءها في مستوى عصرنا مواكبين لتحولاته، فخورين بهويتنا وقيمنا”[vi].

لقد نشأت المعالجة الآلية للغات الطبيعية، وشبَّتْ محاطة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، حيث تعالقت اللغة الطبيعية بالحاسب، ليشكلا اللسانيات الحاسوبية. فاستعان علماء اللغة العربية بالحاسوب وتقنياته لضبط لغتهم، والاستفادة منها، لتسريع العمل العلمي، وتحقيق المنهجية والموضوعية، ” فلا حياة للغة العربية إذا ما أهملنا تكييفها لتقنية المعلومات، ولهذه الغاية تمت حوسبة اللغة العربية، قصد بناء قاعدة معلومات لتنظيم الثروة اللغوية في سائر مستوياتها المعجمية والصرفية والنحوية والدلالية”[vii].

وتجاوزت أعمال الباحثين اللغويين والحاسوبيين العرب في مجال معالجة اللغة العربية حاسوبيًا الثلاثين عامًا، ومع ذلك فما زالت تلك الأعمال في طورها الأول، حيث تفتقر تلك الأعمال للدعم المادي الكافي، “مع محدودية إمكانات العمل من حيث وجود الأجهزة أو الاتصالات على المستوى العالمي، وندرة مراكز البحوث الأكاديمية النظرية والتطبيقية في مجال اللسانيات الحاسوبية”[viii]. ومما لا شكَّ فيه أنَّ للغة العربية خصائص تميزها عن غيرها من اللغات، يأتي في مقدمتها خاصية الاشتقاق الصرفي، واعتماد المعجم على الجذور، واطراد القياس في كثير من الحالات الصرفية والصوتية.

إنَّ نجاحنا في بناء برنامج حاسوبي لمعالجة اللغات الطبيعية “مرتهن بدقة التعامل مع المواد اللغوية، وشمولية تلك المواد، باستخدام قوانين تضبط المخرجات، وتحيِّد الحدس تمامًا، ويقتضي الأمر استخدام كل قانون بطريقة الخطوات الإجرائية، بعيدًا عن ضرب الأمثلة للاستدلال بها على غيرها”[ix] ونقصد بالخطوات الإجرائية مجموعة من القوانين التي نصوغها بهدف تحقيق مخرجات مقبولة لغويًا دون تدخل الإنسان، “وعليه فهي تتطلب عددًا من الخطوات الدقيقة التي تُنفَّذ تِباعًا”[x].

المعالجة الآلية لصرف العربية:

“يُعدُّ التحليل والتوليد الصرفي للغة العربية محور البحث في مجال معالجة اللغة الطبيعية لفترة طويلة، نظرًا للتعقيد الصرفي في العربية، كما أنَّ هناك بعض المتطلبات المتوقعة من أنظمة التحليل والتوليد الصرفي لأيّ لغة، وتشتمل هذه المتطلبات على:

1- تغطية للغة المعنية، سواء من حيث تغطية المفردات، وتغطية الظواهر الصرفية والهجائية.

2- إمكانية عكس الاتجاه الكامل للنظام، بحيث يمكننا استخدامه كمحلل أو مولد.

3- قابلية استخدام هذه الأنظمة للاستخدام في مجموعة واسعة من تطبيقات معالجة اللغة الطبيعية، مثل الترجمة الآلية، أو استرجاع المعلومات.

4- توفرها للمجتمع البحثي[xi].

وتنقسم المحللات الصرفية إلى نوعين، انتقائية أو شاملة، “حيث يركز المحلل الانتقائي على خاصية صرفية محددة أو أكثر من خاصية، مثل التعرف على الجذر أو الوزن أو الفعل، بينما يُحاول المحلل الصرفي الشامل التقاط جميع المعلومات الصرفية المختلفة”[xii] وسيكون المحلل الصرفي الذي يسعى الباحث لبنائه عند تحليل اسم الفاعل انتقائيًا، هدفه بيان الفعل الماضي الذي اشتُقَّ منه اسم الفاعل.

المشتقات الاسمية:

تنقسم الأسماء من حيث أخذها من غيرها أو عدم أخذها إلى جامدة ومشتقة، فالجامدة هي تلك الأسماء التي لم تُؤخذ من غيرها، ولازمت صورة واحدة، أمّا المشتقة فهي الأسماء التي أُخذَتْ من غيرها مع الاتفاق في المعنى والمادة والهيئة، والمشتقات الاسمية هي: اسما الفاعل والمفعول، ومبالغة اسم الفاعل، والصفة المشبهة، واسم التفضيل، وأسماء الزمان والمكان والآلة.

الأسماء المشتقة
من الفعل الثلاثي من الفعل الرباعي
اسم الفاعل اسم الفاعل
اسم المفعول اسم المفعول
اسما الزمان والمكان اسما الزمان والمكان
اسم الآلة  
مبالغة اسم الفاعل  
اسم التفضيل  
الصفة المشبهة  

(جدول الأسماء المشتقة من الفعل)

يُصاغ اسم الفاعل من الفعل الثلاثي المتصرف على (فاعِل) إذا كان ماضيه مفتوح العين متعديًا أو لازمًا، أو مكسور العين متعديًا، أما إذا كان الفعل الماضي مكسور العين لازمًا، أو مضموم العين ولا يكون إلا لازمًا، فإنَّه لا يُصاغ منه اسم الفاعل إلا قليلًا؛ حيث يختصّان بالصفة المشبهة.

صياغة اسم الفاعل من الفعل الماضي:

لقد ركَّز علماء اللغة العربية في تعريفهم لاسم الفاعل على العلاقة بينه والفعل المضارع، واعتبروا الفعل المضارع أصلًا لاسم الفاعل، في حين سيتعامل الباحث مع اسم الفاعل عند توليده على أنَّ الزوائد التصريفية التي تدخل على الفعل لصياغة اسم الفاعل منه، هي زوائد تدخل على الفعل الماضي الذي يُمثِّل الأصل الصرفي لاسم الفاعل دون زوائد، وسيبتعد الباحث عن الرأي القائل: إنَّ الفعل المضارع هو أصل اشتقاق اسم الفاعل. وبناء على هذا الرأي سنتمكن من صياغة اسم الفاعل في خطوتين بدلًا من ثلاث خطوات (انظر الشكل رقم 1)، هما:

1- تحدد الفعل الماضي الأصل.

2- إضافة الزوائد التي تصوغ اسم الفاعل.

وسيختصر ذلك خطوة تحويل الفعل الماضي إلى المضارع، ثمَّ إجراء التغييرات اللازمة لاشتقاق اسم الفاعل.

صياغة اسم الفاعل من الفعل الثلاثي المجرد:

اختلف اللغويون في صياغة اسم الفاعل من الفعل الثلاثي المجرد، “فرأى فريق منهم أن له أوزانًا متعددة تختلف وفق هيئة بناء فعله، ودلالته من حيث التعدي واللزوم، وصنَّفوا أسماء الفاعلين في مجموعة من الأبنية عدّوا بعضها قياسيًا، وهو المطَّرِد الغالب، والآخر سماعيًا يمثِّل الخروج عن القياس؛ حيث يطّرِدُ قياس اسم الفاعل على وزن (فاعِل) من الفعل الثلاثي مفتوح العين، مثل (كتَب فهو كاتِب) متعديًا كان أم لازِمًا. أو مكسور العين، إذا كان متعديًا، أما الفعل اللازم مكسور العين فيُصاغ على وزن (فَعِل) نحو (وَحِر فهو وَحِرٌ) فإن دلَّ على لون أو عاهة، صِيْغَ على (أَفْعَل فَعْلاء) نحو ( حَمِر فهو أَحْمَر وحَمراء وعَوِر فهو أَعْوَر وعَوْراء) أمّا ما دَلَّ على خُلو أو امتلاء، فيُصاغ على وزن (فَعْلان فَعْلى) نحو (عَلِه فهو عَلْهان وهي عَلْهى). ويُصاغ اسم الفاعل من الفعل الثلاثي المضموم العين على (فَعيل) نحو (جَمُل فهو جَميل) أو على وزن (فَعْل) نحو (ضَخُم فهو ضَخْم)[xiii].

ورأى فريق آخر أنَّ له بناءً واحدًا لا يخرج عنه، وهو وزن (فاعِل) بصرف النظر عن بناء الفعل وتعديه أو لزومه. وسيعتمد الباحث وزن (فاعِل) عند صياغة اسم الفاعل من الفعل الثلاثي المجرد، دون النظر إلى حركة عينه في الماضي. “كما أن تحديد الأشكال الصرفية في أوزان ثابتة قد يكون أفضل في خدمة تعليم اللغة العربية لأبنائها، أو للناطقين بغيرها”[xiv]، (انظر إلى الشكل رقم 3)

الفعل ضَرَب، وَجَل، يَمَن، شَرِب، وَرِم، يَبِس، حَسُنَ، وَسُم، يَسُر
ف ــَــ ع ـَـِـُـ ل
   
اسم الفاعل ف ا ع ــِــ ل
ضارِب، واجِل، يامِن، شارِب، وارِم، يابِس، حاسِن، واسِم، ياسِر

الشكل رقم (3) صياغة اسم الفاعل من الفعل الثلاثي على وزن (فاعل)

[i] منعم، سناء، اللسانيات الحاسوبية والترجمة الآلية، بعض الثوابت النظرية والإجرائية، منشورات مختبر العلوم المعرفية، الأردن، إربد، ، عالم الكتب، 2015م، ص83.

[ii] أبوزلال، عصام الدين، مقدمة في علم اللغة الحاسوبي، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، الإسكندرية، ط1، 2016م، ص11.

[iii] المرجع السابق.

[iv] يحلل الحاسوب الكلمة، فيكتشف جذرها، ويحدد وزنها الصرفي، وما يطرأ عليها من تغيير بزيادة أو نقص، أو إعلال أو إبدال أو إدغام…، وما يتقدمها من سوابق، أو يتبعها من لواحق، أو يتوسطها من زوائد، مع بيان نوع الكلمة، وصفاتها.

[v] يُنظر: العناتي، وليد، والجبر، خالد، دليل المستخدم في اللسانيات الحاسوبية العربية، الأردن، دار جرير للنشر والتوزيع، ط1، 2007م، ص10.

[vi] منعم، سناء، اللسانيات الحاسوبية والترجمة الآلية، بعض الثوابت النظرية والإجرائية، منشورات مختبر العلوم المعرفية، الأردن، إربد، ، عالم الكتب، 2015م، ص8.

[vii] المرجع السابق، ص181.

[viii] سلوى السيد حمادة، المعالجة الآلية للغة العربية ( المشاكل والحلول )، القاهرة، دار غريب، 2009م، ص341.

[ix] الشريدة، صفاء شريف، برمجة أسماء الفاعلين والمفعولين حاسوبيا، رسالة ماجستير، الأردن، جامعة اليرموك، كلية الآداب، 2009م، ص9

[x] المرجع السابق، ص9.

[xi] حبش، نزار، مقدمة في المعالجة الطبيعية للغة العربية، ترجمة هند الخليفة، الرياض، دار جامعة الملك سعود للنشر، 2014م، ص117-118.

[xii] المرجع السابق، ص120.

[xiii] يُنظر: الشريدة، صفاء شريف، برمجة أسماء الفاعلين والمفعولين حاسوبيا، رسالة ماجستير، الأردن، جامعة اليرموك، كلية الآداب، 2009م ، ص56-58.

[xiv] المرجع السابق، ص58.

0 Reviews

Write a Review

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى