مقالات في اللسانيات

الصناعة المعجمية في العصر الحديث

د. عبدالعزيز بن عبدالله المهيوبي

لا شكَّ أن العالم العربي-الآن- يعاني من قُصور في المجال المعجمي إذا ما قُورِنَ بالنهضة المعجميَّة الغربية التي اعتبرت المعاجم هدفًا قوميًّا فخصَّصوا لتلك الصناعة كافة الإمكانات وذلَّلوا لها كلَّ السبلِ الممكنة.

والمتتبِّع الآن للغة المعاصرة -وما يصيب دلالةَ مفرداتها من تطوُّر مستمرّ، بالإضافة إلى استحداث كلمات جديدة لمسايرة التقدُّم العلميّ والتكنولوجيّ الهائل- يجدُ أنَّ معظمَها لم يُثْبَتْ في المعاجم بعد، رَغْمَ وَفْرة عددٍ من المعاجم المعاصرة، التي يتَّسم معظمُها بالاعتماد الكلِّيّ على أعمال السابقين واجترارِها عامًا بعد عام؛ حيث تكتفي هذه المعاجم بالنقل أو الاختصار أو إعادة الترتيب أحيانا، ومن هنا لا بدَّ من التفكير في جمع جديد لمفردات اللغة العربية المعاصرة، يهتم بكيفية توظيف المفردات في سياقاتها المتعددة، والاهتمام بالتعبيرات الاصطلاحية.

لعله أصبح واضحا، بناء على ما سبق ذكره، أننا في أمس الحاجة إلى معجم عربي رغم ما يزخر به تراثنا القديم والحديث من معاجم للغة العربية. فلم يعد من الوارد – إذا شئنا أن نواكب التحولات العلمية- أن نحصر هدف البحث المعجمي في تجميع الوحدات اللغوية من متون الكتب وغيرها، وترتيبها ترتيبا صناعيا بمراعاة الأبجدية أو غيرها، وإرفاق كل وحدة لغوية بمعلومات عنها تتضمن معناها أو معانيها بما يتيسر وكيفما تيسر.

من هنا كانت الحاجة ماسة إلى إنشاء معجم معاصر للغة العربية؛ يقف على الكلمات المستعملة في العصر الحديث، والاستعمالات المستحدثة التي لم تفقد الصحة اللغويَّة، كما يغطِّي معظم الاستعمالات الخاصَّة بجميع أقطار الدول العربية ابتداءً من المحيط حتى الخليج، متفاديًا أوجه القصور التي شابت المعاجم المُنتَجة قبله.

نحن بحاجة إلى منهج جديد يتجنّب عيوبَ المناهج السابقة، فلا يعتمد اعتمادًا كلِّيًا على معاجم السابقين، بل يضمّ إليها مادة غنيَّة بالكلمات الشائعة والمستعملة، باستخدام تقنية حاسوبيَّة متقدِّمة يتمّ بمقتضاها إجراء مسح لغويّ مكثَّف لمادة مكتوبة ومسموعة تُمثِّل اللغة العربية المعاصرة أصدق تمثيل.

مصادر مقترحة للمادة المعجمية:

– الصحف والمجلات العربية الواسعة الانتشار

– المادة المسموعة التي تُقدَّم بالفصحى مثل نشرات الأخبار، ومواجز الأنباء، والتعليق على الأخبار، وأقوال الصحف، والأحاديث الدينية

– قصص الأطفال والناشئة.

– كتابات كبار الأدباء والكتاب وأصحاب الفكر من: فلاسفة، وعلماء نفس، ورجال دين، ومؤرخين، وعلماء متأدبين، ورجال قانون واقتصاد …

– المادة التراثيَّة المألوفة بحكم تردُّدها في لغة العصر الحديث، مثل القرآن الكريم، والأحاديث القدسية والنبوية، والحكم، والأمثال وغيره.

– الإفادة من أمهات المعاجم المعروفة كلسان العرب والقاموس المحيط وصحاح الجوهري من القديم ، ومعجم ألفاظ القرآن الكريم المعجم والمعجم الوسيط في العصر الحديث، وكذلك معاجم المصطلحات وغيرها

لقد أصبح استخدام الحاسوب في جمع المادة اللغوية وترتيبها وسيلة هامة في فن صناعة المعجم حيث أخذ فرع جديد من علم المعاجم يتخلق يطلق عليه مصطلح علم المعاجم الحسابي[1]

ولعل من الواضح أن عملا طموحا كالذي بين أيدينا لابد فيه من الاستعانة بالحاسوب في جميع مراحل المشروع ، مثل تخزين المعلومات وتحليلها ومعالجتها بشتى الوسائل ، إضافة إلى توثيق كافة المعلومات توثيقا يمكن الباحث من الرجوع فيه إلى مصدر كل معلومة مهمة في المعجم من خلال قواعد البيانات المختلفة

المدونات اللغوية وصناعة المعجم:

لقد استندت التوجهات الحديثة في العمل المعجمي أن يستند العمل على المدونات اللغوية المحوسبة التي تمثل اللغة المطلوب إعداد المعجم لها تمثيلا حقيقيا لا افتراضيا  وتكمن أهمية المدونة في الخصائص التالية:

أ‌- الواقعية والتمثيل الحقيقي للغة .

ب‌- الشمول من حيث المصادر والتنوعات والاستعمالات اللغوية والأساليب والأجناس الأدبية والتخصصات العلمية والتقنية ، وذلك بشرط مراعاة ذلك عند إعداد المدونة.

ج- إمكانية إخضاعها للتحليل الإحصائي من جوانب مختلفة ولأغراض مختلفة، مثل التعرف على شيوع الكلمات، ومصاحباتها اللفظية، وسياقات استعمالها ( من خلال الكشافات السياقية ) وغير ذلك من أنواع التحليل الصرفي للغات الاشتقاقية كالعربية

د- التعرف على شيوع الكلمة وشيوع معانيها المختلفة ونسبة شيوع الكلمة مقارنة بمجموع الكلمات في المدونة، إضافة إلى شيوعها من عدمة في أنواع النصوص المختلفة، وهو ما يفيد في استخلاص المصطلحات الشائعة في كل تخصص من التخصصات العلمية والتقنية

هـ إمكانية التعرف على شيوع الأوزان والصيغ الصرفية المختلفة.

و- إمكانية إجراء أنواع من التحليل النحوي والتركيبي، مع توافر بعض المتطلبات الازمة.

ز- إمكانية إجراء التحليل الصوتي ( بوصف الحروف تمثيلا للأصوات العربية من حيث شيوعها ومواقعها في الألفاظ إلى غير ذلك [2].

في الختام يمكن أن نقول بأن المعجم العربي في وقتنا الحاضر هو في طور النمو وقد وضعت المعاجم الكثيرة في شتى ميادين العلم وهذا جيد إلا معظمها لا يزال دون المستوى المطلوب كيفًا وكمّاً . ولم نر بعد معجمًا ينتهج فيه أصحابه المناهجَ الدقيقة التي ظهرت في زماننا هذا. وكل ما ظهر فلا يزال عالة على القديم، في الغالب، من حيث المنهج وطريقة الاستقاء. فما رأينا من يهتم بالاستعمال الحقيقي للغة العربية إلا القليل.

[1] صناعة المعجم الحديث، د. أحمد مختار عمر، عالم الكتب، القاهرة، الطبعة الأولى، 1418ه- 1998م، ص: 179. [2] د. محمود إسماعيل صالح ود. إبراهيم الخراشي : الجانب اللغوي للمعجم الحاسوبي للغة العربية ، ضمن البحوث المقدمة في اجتماع خبراء المعجم الحاسوبي التفاعلي   ص 2

0 Reviews

Write a Review

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى