مقالات في اللسانيات

طرق شرح المعنى في الصناعة المعجمية

د. عبدالعزيز بن عبدالله المهيوبي

حصر المعجميون وظائف المعجم في الآتي :
1- ذكر المعنى
2- بيان النطق
3- تحديد الرسم الإملائي ( الهجاء )
4- التأصيل الاشتقاقي
5- المعلومات النحوية والصرفية
6- معلومات الاستعمال
7- المعلومات الموسوعية
تتفاوت المعاجم في اختياراتها من بين هذه الوظائف.[1] وتختلف كذلك في ترتيبها من حيث الأهمية ، وقد كشف عدد من الدراسات الميدانية عن هذا الاختلاف ،ولوحظ أن المعنى جاء أولا في كل الأنواع[2].
طرق شرح المعنى
يقع المعنى في بؤرة اهتمام المعجمي، لأنه يعد أهم مطلب لمستعمل المعجم كما كشفت الاستطلاعات المتعددة التي أجريت حول وظائف المعجم ، وقد احتل المعنى المركز الأول ( كما أسلفنا ) وكثير من مناقشات المعجميين تدور حول طريقة عرض المعاني المعجمية في معاجمهم .
ومع أهمية المعنى لصانع المعجم ومستخدمه فهو يمثل أكبر صعوبة يواجهها صانع المعجم لعدة أسباب:
1- صعوبة تحديد المعنى ،وتعدد الآراء حول المراد به، وأنواعه،فبعضهم يفسره على أسس نفسية بزعم أن هناك عمليات عقلية تتدخل في الموقف، وبعض آخر يرى أن الموقف مرتبط بالأشكال اللغوية نفسها ، وبعض يرى أن الكلمات لا معنى لها سوى السياق الذي تستعمل فيه.
2- سرعة التطور والتغير في جانب المعنى قياسا إلى ما يحدث في جانب اللفظ ،وتسامح أبناء اللغة في قبول هذا التطور قياسا إلى تسامحهم في قبول التطور اللفظي.
3- اعتماد تفسير المعنى على جملة من القضايا الدلالية التي تتعلق بمناهج دراسة المعنى ، وشروط التعريف ، والتغير الدلالي ، وتخصيص المعنى أو تعميمه ، وضرورة التمييز بين المعاني المركزية والإضافية والهامشية والإيحائية والأسلوبية ، وحتمية أخذ كل هذه المعاني في الاعتبار عند معالجة الكلمة دلاليا.
4- أن جزءا من المعنى يتوقف على تحديد درجة اللفظ في الاستعمال ، وهذا يقتضي تحديد المستوى الاجتماعي لمستعمل اللفظ ، ودرجة ثقافته ، والمنطقة الجغرافية التي ينتمي إليها ، كما يقتضي تحديد درجة العلاقة بين المتكلم والسامع ( حميمية – عادية – رسمية ) ورتبة اللغة المستخدمة ( أدبية – رسمية – عامية – مكروهة – مبتذلة ) ونوع اللغة ( لغة الشعر – لغة النثر – لغة القرآن – لغة العلم – لغة الإعلان ) والواسطة ( حديث – خطبة – كتابة – بيان – نشرة أخبار )
5- أن جزءا من معنى الكلمة قد تم اكتسابه عن طريق مصاحبتها لكلمات أخرى معينة ، سواء جاءت هذه المصاحبة نتيجة ارتباط خارجي لم يغير من معنى اللفظين المتصاحبين ، أو ارتباط عضوي داخلي أدي إلى اكتساب اللفظين معنى جديدا زائدا على معنى كل منهما.
ولكي تتم معالجة المعنى في معجم حديث، وبصورة دقيقة فإنه ينبغي وضع الأسس التالية في الذهن وأخذها في الاعتبار حين معالجة المعنى بقصد تأليف معجم ؛ حتى يمكن تلبية حاجة مستعمل المعجم بأعلى قدر من الدقة:
1- أخذ المعنى الصرفي في الاعتبار ( غفر – استغفر ) ، ( عجم – أعجم )
2- ذكر الوظيفة كمكون دلالي ( شغل الخريج وظيفة معلم )
3- محاولة ربط المعاني الجزئية للجذر الناتجة عن تطبيقات الاستخدام أو تنوع السياق ربطها بمعنى عام يجمعها ابن فارس طبقها في المقاييس والزمخشري ميز بين المعنيين المجازي والحقيقي في أساس البلاغة.
4- وضع منهج دقيق لكيفية ذكر المعاني المتعدد للفظ الواحد ، وتطبيق معايير التمييز بين البوليزمي والهومونيمي ، والمختار في الأول أن تذكر المعاني مرقمة تحت مدخل واحد ، وفي النوع الثاني أن تتعد المداخل مرقمة بتعدد المعاني التي يدل عليها لفظ المدخل .
5- وضع أولويات لتقديم بعض المعاني على بعض في المدخل الواحد سواء عن طريق الترتيب التاريخي بدءا من  أقدم معنى والانتهاء بأحدثها ، أو البدء بالمعنى الأعم قبل الأخص ، أو بالمعنى الحقيقي قبل المجازي ، أو بالمعنى الحسي قبل التجريدي، ووضع الأسس التي تحكم اختيار المعاني ذكرا أو حذفا كالاعتماد على نسبة التردد في العينة ، وتجنب المعاني المحظورة أو المبتذلة.
6- تنويع طرق شرح المعنى واتخاذ كافة الوسائل لتوضيحه بما يخدم المهارتين اللغويتين الأساسيتين، المهارة الاستقبالية التي تتمثل في تلقي كلام الآخرين(المسموع أو المكتوب ) وفهمه ، والمهارة العملية التي تتمثل في القدرة على التعبير ( الشفوي أو الكتابي ) ويقتضي ذلك أخذ الملائم أو الضروري في كل مدخل من طرق الشرح الممكنة التي يمكن تقسيمها إلى مجموعتين أو مستويين على النحو التالي :
أولا : مجموعة الطرق الأساسية .
ثانيا : مجموعة الطرق المساعدة .
طرق الشرح الأساسية
تعد هذه الطرق أهم وسائل شرح المعنى ، وكلما أمكن الجمع بينها أو بين أكثرها في المدخل كان أفضل، وإن كان الغالب الاكتفاء ببعضها ودمج بعضها الآخر وهي :
1- الشرح بالتعريف :إعادة المعنى بألفاظ أخرى، والمعجمي حين يعرف يضع في اعتباره مستخدم المعجم .
هناك صعوبات تواجه واضع التعريف لعل من أهمها :
أ- محاولة تعريف الكلمات السهلة أو المألوفة .
ب- محاولة تعريف التصورات التجريدية كالحب والكره .
ج- محاولة تعريف كثير من التصورات الحسية التي تدل على أشياء عادية كالمنضدة والفنجان والدلو أو الطبيعية كالموز والجزر أو الحية كالحصان والذباب .وللتعريف الجيد شروط هي :
الاختصار والإيجاز .
السهولة والوضوح .
تجنب الدور ( حسُب الرجل صار حسيبا )
تجنب الإحالة إلى مجهول ( الضرس والسن )
مراعاة النوع الكلامي للكلمة المعرفة ( اسم باسم )
يشار إلى الشكل الخارجي والوظيفة والخصائص المميزة عند تفسير الأسماء المادية ( المرآة )
كون التعريف جامعا شاملا لكل أفراد المعرف ، ومانعا دالا على المعرف وحده ( الباب )
يشترط أن يكون مجموع الكلمات المستخدمة في الشرح محدود العدد
2- الشرح بتحديد المكونات الدلالية :وضع علماء الدلالة نماذج تحليلية كثيرة ينبغي الاستفادة منها في صياغة تعاريف الكلمات ، وتفيد النظرية التحليلية صانعي المعجم من جهات ثلاث :
– تحليل كلمات كل حقل دلالي وبيان العلاقات بين معانيها.
– تحليل كلمات المشترك اللفظي إلى مكوناتها أو معانيها المتعددة .
– تحليل المعنى الواحد إلى عناصره التكوينية المميزة .
3- الشرح بذكر سياقات الكلمة : دراسة السياقات تحقق جملة من الميزات منها :
– سهولة تحديد التعبيرات السياقية.
– إمكانية تحديد مجالات التصاحب والانتظام بالنسبة لكل كلمة مما يعني تحديد استعمالاتها في اللغة .
– الاعتماد على الواقع الحي وليس على المادة التي لا تحيا إلا بالانتقال من معجم إلى آخر دون أن تحيا خارجه.
ويمكن تقسيم السياقات اللغوية للكلمات إلى الأنواع الآتية
التصاحب الحر ( أصفر )
التصاحب الاعتيادي المنتظم( رمضان كريم )
التعبيرات الاصطلاحية أو السياقية لها شروط خاصة ، منه الأمثال والمزدوج من التعبيرات حياك وبياك والمعجمي ملزم حسب حجم معجمه باستقصاء وتقديم التصاحب الاعتيادي والتعبيرات الاصطلاحية
كيف يطبق المعجمي النظرية السياقية في معجمه؟
– البدء بمحاولة الوصول إلى المعنى الأساسي أو المركزي .
– بعد تحديد المعنى الأساسي لكل كلمة حسب ما يمكن استخلاصه يُظهر المعجمي من خلال اختياره للمصاحبات المعاني الجزئية الناشئة عن المصاحبة .
4- الشرح بذكر المرادف أو المضاد :هذا النوع من الشرح لا يصلح الاعتماد عليه بمفرده بل لا بد أن يكون ضميمة لطريقة أو أخرى مما سبق ذكره ، ويعيب طريقة الشرح بالمرادف ما يلي :
– أنها تخدم غرض الفهم وحده ولا تصلح لغرض الاستعمال
– أنها تعزل الكلمة عن سياقاتها .
– أنها تقوم أساسا على فكرة وجود ظاهرة الترادف .
الشرح بذكر المرادف يصلح في حالات كثيرة منها :
1- المعاجم الموجزة والمعاجم المدرسية .
2- معاجم المصطلحات .
3- عند شرح كلمة معربة بنظيرتها العربية .
4- إذا كان الغرض تزويد القارئ بكلمة أخرى مقاربة أو مشابهة مع الحرص على ذكر الفروق الدقيقة بين الكلمتين.
5- في المعاجم الثنائية .
6- إذا لم يكن المعنى الدقيق مطلوبا إلى حد كبير
ثانيا : طرق الشرح المساعدة
لا يكتفي المعجم باستخدام طرق الشرح الأساسية كلها أو بعضها ، بل يضم إليها طرقا أخرى مساعدة، وأحيانا يصبح أحد هذه الطرق هو الوسيلة الوحيدة أو المثلى لشرح اللفظ حين تعجز الطرق الأساسية عن أداء مهمتها خير أداء، وأهم طرق الشرح المساعدة ما يأتي :
1- استخدام الأمثلة التوضيحية : هناك مواصفات لا بد من مراعاتها في المعاجم الحديثة عند استخدام الأمثلة
التوضيحية هي :
– تأسيسها على الاقتباسات الحية والاستخدامات الحقيقية.
– قدرة المثال على الكشف عن المعنى الأساسي ، وبعض الملامح الدلالية ، والخصائص النحوية.
– السماح لصانع المعجم بالتصرف بالحذف والاختصار.
أهم الوظائف التي تحققها الأمثلة التوضيحية ما يلي :
– دعم المعلومة الواردة في التعريف .
– تمييز معنى من آخر .
-بيان التلازمات المتنوعة للكلمة .
– ذكر معلومات لغوية على المستوى الأسلوبي والاستعمال
– إن المثال التوضيحي إذا كان اقتباسا نصيا في نفس الوقت فهو يحمل في داخله جانب التوثيق أو الاستشهاد .
– وضع الكلمة المشروحة في سياقات مختلفة مع مراعاة تحديد النماذج النحوية من خلال هذه السياقات .
2- استخدام التعريف الاشتمالي : تعريف الشيء بذكر أفراده ، وهو قليل الاستعمال في المعاجم العامة .
3- استخدام التعريف الظاهري :يلجأ المعجمي إلى استخدام النموذج الأصلي أو التعريف الظاهري حينما
يجد نفسه عاجزا عن توضيح معنى الكلمة بإحدى الوسائل المساعدة أو الأساسية ( الأزرق لون السماء – الأحمر لون الدم )
4- استخدام الصور والرسوم : هذا يدخل تحت ما يسمى بالتعريف الإشاري ، استخدام الصور والرسوم يكون أدق في تحديد مفهوم الألفاظ المتشابهة . الصورة أو الرسم يمكن أن يقدم دعما للوصف اللفظي فيما يأتي :
– أنه في كثير من الأحيان يكون أكثر وصفية من العبارة أو التعريف
– إذا استعمل بحكمة يمكن أن يوفر حيزا في حالات كثيرة تقتضي توسعا في التعريف .
– أنها ذات مظهر تربوي ونفسي أوضح خاصة بالنسبة للصغار .
– أنها حين يحسن استخدامها تستطيع أن تميز بين الأشكال المتعددة لنفس النوع أكثر مما تستطيع العبارة (أشكال الفرشاة )
[1] حسب نوع المعجم أهو أحادي أم مزدوج اللغة وحسب المستعمل أهو مواطن أم أجنبي مثقف عام ، أم متخصص ، وحسب حجم المعجم أهو صغير أم متوسط أم كبير.
[2] الأحادية لابن اللغة ، والأحادية للأجنبي ، والثنائية التي تبدأ من اللغة الأجنبية.

0 Reviews

Write a Review

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى