مقالات في اللسانيات

صناعة المعجم والترجمة الآلية

د. عبدالعزيز بن عبدالله المهيوبي

يقصد بالترجمة بشكل عام: القدرة على نقل الكلام إما حرفياً أو بتصرف من لغة إلى أخرى دون زيادة أو نقصان بما يحقق للقارئ أو السامع فهم النص المترجم كما يفهمه قارئ النص الأصلي أو مستمعه.يرتبط بمفهوم الترجمة الآلية أمران لا بد من إيضاحمهما؛ وهما: الترجمة الآلية, والمعجم الآلي (الآلة المترجمة), فالترجمة الآلية: مصطلح عام للعمل الأساسي للعمل المرتبط باللسانيات الحاسوبية أو علم اللغة الحاسوبي ويعني: فرع من فروع اللغويات الحاسوبية التي تمثل ” النظم الحاسوبية المسؤولة عن إنتاج ترجمات من إحدى اللغات الطبيعية إلى لغات أخرى, سواء كان ذلك بمساعدة الإنسان أم بدونها[1]. أما المعجم الآلي (الآلة المترجمة) فتعني:. تلك التي يصنعها الحاسوب اعتمادا على خصائص المداخل المتجانس منها والمتخالف.إنّ المعجم الآلي يكون موجّها بالأساس للاستعمالات المعلوماتية، ويتخذ شكل أجروميات تعالج المعطيات الصورية التي يتم تحديدها وفق نظرية لسانية تسمح بمعالجتها برامج معلوماتية ذات طبائع مختلفة كاملة غير منقوصة وذلك حتّى لا يفشل الحاسوب في عملية البحث التي سيقوم بها عن ظاهرة من الظواهر[2].

أهمية الحاسوب في صناعة المعجم:

الحاسوب أداة من أدوات العمل المهمّة في صناعة المعجم، إذ يقدّم خدمات كبيرة للبحث اللغوي والأدبي من خلال المعاونة في إعداد المعجمات، بحيث أصبحت المجامع اللغوية تستخدم إمكانيات الحاسب لميكنة معاجم اللغات والتي أصبحت من الضخامة بحيث يستحيل تنظيم وتحليل الكم الهائل لمعلوماتها يدويا، وتتجلى أهمية الحاسوب في الصناعة المعجمية فيما يلي:

1- تظهر قيمة الحاسوب في تخزين المادة وترتيبها طبقا للنظام المطلوب وتعديل وحذف بعض المعطيات، وتجديد المعجمات بسهولة، إضافة إلى النقل المباشر إلى المطبعة والحصول على أجزاء محدودة من داخل المادة المخزونة، بحيث أنّ المعاجم الآلية قد توفر للمختصين في هذا الحقل إمكانية الإضافة وتطوير الرصيد المفرداتي الموجود على مستوى ذاكرة الحاسب الآلي.

2- تخزين المعاجم على شرائح الكترونية أو على وسائط ممغنطة وعلى أقراص مضغوطة    CD-ROM ذات إمكانات تخزين ضخمة، حيث يمكن للقرص الواحد أن يختزن ما يعادل 680 مليون رمز وهو ما يساوي حوالي 250 ألف صفحة مطبوعة، أو محتوى 200 أسطوانة لينة]، وذلك لاستخدامها في أغراض الترجمة الآلية، نظرا للقدرة الاستيعابية الهائلة للآلة لجميع أصناف مفردات اللغة المعينة، وبالخصوص الجانب المصطلحي، ذلك أنّ المصطلحات الجديدة التي تولد يوميا تحتاج إلى استخدام الحاسوب في تخزينه وترتيبه واسترجاعه، كما أنّ استعمال الحاسوب في بناء المعاجم يوفر السرعة في عملية البحث وعملية الاسترجاع، ذلك أنّ استعمال في مثل هذه الأعمال سيزيد من سرعة العمل العلمي، ثمّ يحقّق المنهجية والموضوعية في الأعمال اللغوية، ويدفع الباحث اللساني لأن يكون دقيقا وموضوعيا وسريعا في بحوثه اللغوية.

3- استخدام الحاسوب في الصناعة المعجمية يسهم في تطوير الترجمة الآلية وتحسينها، يرتد ذلك إلى شمولية النظام اللغوي الذي يزود به الحاسوب، إذ يستطيع أن يضع أمام المترجم المعنى الدقيق للمصطلح في كلّ فرع فروع المعرفة، فمن المعروف أنّ معنى المصطلح أو مدلوله يتغير طبقا لحقل الاختصاص الذي يُستعمل فيه في حين يعجز معجم واحد عن سرد معاني المصطلحات المتنوعة في مختلف فروع العلوم والتكنولوجيا.

4- تحليل العلاقة بين مفردات المعجم وعناصره كالعلاقة بين جذور الكلمات والصيغ الصرفية أو قواعد تكوين الكلمات المطبقة عليها أو العلاقات الموضوعية التي تجمع بين عائلات المفردات (مصطلحات رياضية، مصطلحات طبية).

5- تحليل لغة تعريف المعجم وهي التي تُستخدم لتوضيح دلالات مفرداته، وتعدّ هذه الدراسات ذات أهمية خاصة لبحوث الدلالة المعجمية، حيث تسعى إلى الوصول إلى نواة المعجم ذاتها، وكذلك المبادئ الأساسية التي تحكم صياغة مفرداته.

من أكبر المشكلات التي تواجه المبرمج في الترجمة الآلية تتمثل في مدى قدرته على السيطرة على الأوجه والاحتمالات المتفاوتة التي قد تحتملها الحالة الواحدة للصيغ اللغوية المختلفة، فقد نرصد في ذاكرة المعجم الحاسوبي كلمة “قطع”، ونضعها نظيراً للكلمة الإنجليزية cut ونغفل أن “قطع” قد تحتمل معاني أخرى مجردة فتأتي بمعنى “أبرم” عندما نقول ” قطعت عهداً ” وتأتي بمعنى ” سرق ” في ” قطع الطريق ” وقد ترجمت الجملة الأولى بمترجم محرك البحث “Google  ” فكانت الترجمة دقيقة؛ حيث ترجمها بـ ” Made a covenant ”

فالذي يُترجم مادة مكتوبة أو مسموعة ترجمة فورية، يستطيع أن يتحكم في مسار الترجمة، فيميز بين المعاني الكثيرة المحتملة للحالة الواحدة، فيختار المعنى المناسب للسياق اللغوي، ولكن المترجم الآلي المحوسَب لا يمكنه أن يدرك المقصود.

الترجمة الآلية :

تحتاج الترجمة الآلية إلى إمكانيات آلية ضخمة، فبالإضافة إلى الحاسوب وتجهيزه، نحتاج إلى البرمجة فضلا عن صناعة معجم خاص يحسن التعامل مع خصوصيات الترجمة الآلية بحث يؤدي آخر الأمر إلى تمكين الحاسوب من أن يكون بالإضافة إلى السرعة الفائقة ذكياً، لمَّاحاً ولبقاً،يحسن التصرف عندما يتطلب الموقف منه ذلك.

ولعل الأساس في الترجمة الآلية هو المعجم الخاص الذي تستند إليه جميع الإمكانيات الحاسوبية والآلية الأخرى، وبما أن الترجمة ليست ترجمة مفردات، بل ترجمة جمل داخل سياقات ونصوص، فتصميم المعجم ينبغي أن يتم وفقاً لمواصفات خاصة.

مواصفات معجم الترجمة الآلية

ينبغي أن يتضمن معجم الترجمة الآلية كل الاحتمالات والمفارقات التي قد تعترض طريق الترجمة الصحيحة، لذا من الضروري مراعاة أن يتضمن مفردات لدلالات مجردة، وتراكيب شائعة تقدِّم لبرنامج الترجمة كل الاحتمالات الممكنة، وأن يحيط بالصور المختلفة للمفردات والجمل والتراكيب، بطريقة تُسهل عليه إنجاز المهمة دون اضطراب أو خطأ، بعد أن يتم وضعها وفقاً لترتيب معين مدروس مقرونة بما يعادلها في اللغة المترجم منها أو إليها.

كما أن لكل أمة حضارة تختلف عن حضارات غيرها من الأمم على نحو يقف دون وحدة المفاهيم، مما يعني استحالة الوفاق إلا في مجالات محدودة. وتظهر مشكلة التفاوت الحضاري في النصوص الأدبية بعامة، حيث يكثر المجاز والاستعارة والكناية ، إذ كيف نترجم قول العرب :” رجع بخفي حنين” كناية عن الرجوع بالخيبة.

إن مشاكل الترجمة الآلية لا يمكن حلها بأوامر برمجية لاسيما عندما تكون ترجمة لما بين السطور من معاني وأفكار ومفاهيم. فالمعنى شبكة من العلاقات، من هنا علينا استحضار جميع أنواع المعنى؛ المعجمية منها والعامة.

على الرغم من التقدم المذهل الذي أنجزته المؤسسات والأفراد في مجال الترجمة الآلية، ولكنها ستظل عاجزة عن الوصول إلى الدقة المطلوبة، لأنها تجمع إلى جانب مشكلات الترجمة الفورية مشكلات أخرى أهمها محاولة إحلال الحاسوب محل العقل الإنسان؛ فإرادة العقل الإلكتروني وإدارته هي بقدر ما يحسن مبرمجه البشري تزويده به.

وللحصول على ترجمة آلية مقبولة، لا بد من أن يكون معجم المفردات والدلالات ضخماً قدر ضخامة ثقافة لغتي الترجمة، بحيث تستوعب ذاكرته الوجوه المختلفة لاستعمال المفردات، وليس معانيها المعجمية أو الاصطلاحية فقط.

وإذا كان هذا هو وضع الترجمة الآلية في الغرب، فإنه في بلادنا – ومع لغتنا العربية – سيكون أكثر صعوبة، لضعف إمكانياتنا، وسعة اللغة العربية وامتداد ثقافتها.

[1] مقدمة في الترجمة الآلية , عبد الله الحميدان: ص: 9 [2] حوسبة المعجم العربي: الواقع والآفاق, جميل بن يشو  , مجلة أرتين art-en.com  : ص: 8

0 Reviews

Write a Review

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى