مقالات في اللسانيات الحاسوبية

رؤية مستقبلية للسانيات الحاسوبية العربية

د. عبدالعزيز بن عبدالله المهيوبي

تواجه اللغة العربية تحدياتٍ راهنة ومستقبلية كثيرة؛ مما يستدعي عمليات النهوض بواقعها، ومجاوزة أوضاع التهميش والإهمال والركود في معالجة مشكلاتها المتصلة بمخاطر الاستتباع والهيمنة والعولمة، ما لم تُواجه هذه المشكلات بالإسهام العربي في إنتاج مجتمع المعلومات، وثمة خطر أشد ناجم عن الضعف العربي الداخلي في النظر إلى هذه المشكلات لدى الجهات المعنية باللغة العربية، ومن وزارات التربية والثقافة والإعلام والتعليم العالي إلى المجامع اللغوية ومؤسسات البحث العلمي والنشر والمعنيين باللغة العربية؛ علماء وأدباء وفنانين وفنيين استسلاماً أمام هذه التحديات ومؤثراتها الأجنبية المتفاقمة. على أن الأمر يتعلق بمسألة حيَّة هي أن مواجهة العولمة تعني الإسهام في امتلاك سلطة المعرفة … ويستدعي ذلك بالنسبة للغة العربية ربط المعلوماتية بالتنمية اللغوية؛ لأن المشكلات اللغوية لا تتصل بالجانب اللغوي وحده، فثمة اندماج واسع وعميق للغة في مجتمع المعلومات المستقبلي[1]. ويُعدُّ الإسهام في إنتاج المعرفة المنطلق الصحيح لمواجهة التحديات الراهنة والمستقبلية.

إنَّ أهم مشكلة مستقبلية للغة العربية وتنميتها، هي تقليص الفجوة الرقمية بين المجتمعات العربية، ومجتمع المعلومات. ولعله من المفيد أن نَسُوْقَ بعض المقتراحات والتوجيهات والمنطلقات للتصدي لمثل هذه المشكلة:

1- من الضروري بذل الجهد في معالجة لغتنا العربية، بهدف مواجهة التفجر المعلوماتي؛ وذلك لما للغة من أثر كبير في صياغة المجتمعات الإنسانية الحديثة.

2- تحديد معالم استراتيجية لغوية على مستوى الوطن العربي، بحيث يتعامل المواطن العربي مع التقنيات الحديثة باللغة العربية الفصيحة. فمعالجة اللغة العربية حاسوبياً تشكل نقطة انطلاق أساسية للمدخل الثقافي لصياغة المعلومات، ” ويجمع علماؤنا ذوو الريادة في خدمة اللغة العربية حاسوبياً على وجوب بناء أجهزة حاسوبية خاصة باللغة العربية؛ فيجب إخضاع تكنولوجيا المعلومات لخدمة اللغة العربية، وليس بأن تخضع العربية قسراً لضغوط هذه التكنولوجيا الساحقة”[2]

3- التوسع في دراسات تطوير اللغة العربية، لتواكب جهود حوسبتها، ويكون ذلك بالتوسع في الدراسات المقارنة، والتقابلية للغة العربية؛ فالمعالجة الآلية لا يمكنها أن تتعامل إلا مع الدقيق والمكتمل.

4- تقديم الدعم المادي، والتشجيع الكامل للقطاع الخاص، للاستثمار في مجال معالجة اللغة العربية حاسوبياً؛ ويكون ذلك من خلال التعاون بين مراكز البحوث، والأقسام العلمية في الجامعات، والشركات الكبرى، بهدف تقديم دراسات جدوى اقتصادية، تثبت جاذبية الاستثمار في هذا المجال.

5- تشجيع التعاون بين علماء اللغة وعلماء الحاسوب، ومشاركة علماء الرياضيات، والذكاء الاصطناعي، بهدف وضع سياسات عامة للسانيات الحاسوبية، وتأطير قواعدها وأسسها ومبادئها.

6- تنسيق عمل المجامع اللغوية.

7- إعادة النظر في تطوير البرامج لوضع إطار عام لحوسبة حقول اللغة العربية المختلفة الصرفيّة، والنحويّة، والدلالية، والمعجمية.

8- أن يكون نظام المعالجة الآلية للغة العربية قادراً على التعامل الدقيق مع مرونة اللغة العربية، قادراً على تحديد متعلقات الأفعال العربية النحوية والدلالية.

[1] أبوهيف، عبدالله، مستقبل اللغة العربية: حوسبة المعجم العربي ومشكلاته اللغوية والتقنيّة أنموذجاً، ص93.

[2] خليفة، عبد الكريم، المجامع اللغوية العلمية العربية والتنمية اللغوية، مؤتمر مجمع اللغة العربية بالقاهرة، 2004م، الدورة السبعون، ص14.

0 Reviews

Write a Review

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى