مقالات في اللسانيات

المعايير النصية السبعة

د. عبدالعزيز بن عبدالله المهيوبي

إن لسانيات النص هي فرع من فروع اللسانيات تعنى بدراسة النص وأبرز مميزاته وحدّه وتماسكه واتّساقه والبحث عن محتواه البلاغي التواصلي، حيث تحتل النصـية فيها مكانا مرمـوقا لأنها تجري على تـحديد الكيفيات التي ينسـجم بها النص، وتكشـف عن الأبنية اللغوية وكيفية تماسكها وتجاورها. ويتسم هذا العلم بتشبعه إلى حد بعيد إذ أننا لا نجد إلا قدرا ضئيلا من الاتفاق حول مفاهيمه وتصوراته ومناهجه فقد استوعب حدا لا يستهان به من المفاهيم نظرا لكثرة منابعه، وأخذت اتجاهات البحث في هذا العلم أشكالا عدة تبعا للأسس التي يستند إليها هذا العلم.
إذن فالنص حدث تواصلي يلزم لكونه نصا أن تتوافر له سبعة معايير إذا تخلف واحد منها تنتزع منه صفة النصية، وهذه المعايير هي :
السبك، التماسك، الترابط، التماسك النصي الشكلي، الاتساق، الربط النحوي، التضام، الالتئام cohesion
الحبك، الانسجام، التماسك الدلالي، الالتحام coherence
القصد Intentionality
القبول، المقبولبة Acceptability
الإخبارية، الإعلامية Informativity
المقامية، الموقفية Situationality
التناص Intertextuality

يمكن تصنيف هذه المعايير إلى :
ما يتصل بالنص في ذاته و هما معياران: الاتساق و الانسجام.
ما يتصل بمستعملي النص سواء أكان المستعمل منتجا أم متلقيا، و ذلك يتمثل في معياري: القصد و القبول.
ما يتصل بالسياق المادي و الثقافي المحيط بالنص، و نعني به معايير: الإعلامية و الموقفية و التناص
أولاً: التماسك:
ونعني بالتماسك ترابط الجمل في النص مع بعضها بعضاً بوسائل لغوية معينة وهذا الترابط يهتم بالروابط التي تجري في سطح النص أكثر من اهتمامه بالمشكل الدلالي أو المعنوي للنص، وإذا كان هناك اهتمام بالدلالة وروابطها فيأتي عارضاً، وانطلاقاً من الشكل إلى الدلالة ؛ إذ إن كل الروابط التي تربط ظاهر النص تحتوي ضرورةً على قدر من الدلالة تم الربط وفقاً لها. فكل ترابط شكلي مقالي أساسه ترابط دلالي.
ثانيا: الانسجام:
أمَّا الانسجام فيهتم بالمضمون الدلالي في النص، وطرق الترابط الدلالية بين أفكار النص، فهو البنية التحتية لأدوات الربط الظاهرة، فأدوات الربط تخلق فقط التماسك المحلي، وغير قادرة بنفسها على خلق مستوى الخطاب. كما يهتم بالعلاقات المنطقية التصورية التي تجعل النص مترابطاً، ويعتمد الحبك على علاقات داخلية وعناصر مقامية متعالقة يتم بواسطتها فهم النص، ويمكن أن نمثل على ذلك بقول القائل: لما كان الجو جميلا ذهبنا إلى الشاطئ، فبالرغم من كون المسند إليه في الجملة الأولى مختلفاً عن المسند إليه في الجملة الثانية إلا أن الجملتين مترابطتان؛ وذلك لاتساق الظروف والشروط الموطئة لهذا الربط عند المتلقي عادة بين جمال الجو والخروج في نزهة على الشاطئ. وتشتمل وسائل الحبك على:
1- العناصر المنطقية كالسببية والعموم والخصوص، ومن السببية قوله تعالى:” وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون”
2- معلومات عن تنظيم الأحداث والأعمال والموضوعات والمواقف.
3- السعي إلى التماسك فيما يتصل بالتجربة الإنسانية، ويزيد الالتحام بتفاعل المعلومات التي يعرفها النص من المعرفة السابقة بالعالم.
ولكن الأمر الأهم في التماسك الدلالي هو الوحدة الموضوعية، أو ما يطلق عليه “فان دايك” البنية النصية الدلالية الكبرى وما يتعلق بها من بنى دلالية صغرى في النص، وكذلك البنية العليا التي لها ارتباط قوي بالبنية النصية الكبرى.
ثالثاً: القصد:
وتعني التعبير عن هدف النص، فلكل مبدع قصد وغاية، فالقصدية تشير إلى جميع الطرق التي يلجأ إليها المؤلف لاستغلال نصه من أجل تحقيق مقاصده؛ والتي منها التأثير في متلقٍ بعينه في ظروف خاصة.
والقصد في النص قد يكون صريحاً أو متضمناً؛ فالمقاصد الصريحة هي تلك المرتبطة بالمعاني المباشرة للكلمات والجمل، في حين أن المقاصد المتضمنة هي تلك التي ترتبط بالمغزى من استخدام هذا الفعل أو ذاك.
رابعا: المقبولية:
المقبولية بالمعنى الواسع هي رغبة نشطة للمشاركة في الخطاب، فهي تعتمد على التفاعل بين مقاصد منتجي النص ورغبة المتلقين في المعرفة وصياغة مفاهيم مشتركة.
ولكن هل يؤدي فقد النص للسبك والحبك إلى فقدانه المقبولية؟ هناك من يرى ذلك؛ فاعتياد القارئ على وضوح لغة النص وسلامتها وترابطها يساهم في سرعة تقبله له. وهناك من يقول إن معرفة المتكلم بلغته تتضمن قدرته على تحديد سمات الترابط من خلال التعرف على الانحرافات وإزالة الغموض.
وقدرة القارئ على استخراج المعلومات وعمل الاستنتاجات الضرورية يعتمد على مدى اتساع وتنوع المعلومات المخزنة المشتملة على معرفة العالم والقصدية والسببية ، وبدمجه للمعاني التي يدركها من الخطاب مع المعلومات التي يعرفها بالفعل، فإن القارئ يحدد السياق الذي يفهم من خلاله أجزاء النص. وقد تتعدى المقبولية -عند البعض- إلى إبداع جديد للنص، فالنص كائن حي يُبعث بالقراءة فيحيا من جديد وبأشكال جديدة، ويصبح القارئ مؤلفاً.
وتتحكم في عملية القبول مجموعة من العوامل والمعايير منها:
– مقدمات سياقية تعين المتلقي على الفهم والتأويل.
– معرفة المتلقي بالمتكلم وبنوع النص، فلكل نوع من النصوص قراءه.
– وضوح المضمون العام للنص، كما أن هناك من القراء من يكون استيعابه للنصوص المبهمة أقوى من استيعابه للنصوص المباشرة.
– أهمية الرسالة بالنسبة للمتلقي.
– تعدد أحوال القراء بتعدد خلفياتهم الفكرية.
– العوامل النفسية؛ كأن نكون سعداء أو متوترين أو أشرار.
خامساً: الإعلامية:
ويشار بها إلى ما يحمله النص من المعلومات التي تهم السامع أو القارئ، ويتحقق بها هدف التواصل بين منتج النص ومتلقيه ولمعيار الإعلامية درجات، حيث يحمل كل نص درجة من الإعلامية معينة يحددها منتجه ومتلقيه معاً، كالجدة في عرض المعلومات، هذه الجدة التي يحددها المتلقي بمعيار عدم التوقع.
ويمكننا التمثيل بنص يحمل درجة عالية من الإعلامية كالتحذير الذي أعلنته إحدى شركات الاتصال لعملائها؛ إذ يقول الإعلان:” استدعونا قبل مباشرة الحفر، فقد تعجزون عن ذلك فيما بعد ” إذا يستنتج منه ما قد يترتب على القيام بالحفر من أضرار جسيمة دون الرجوع إلى الشركة، وقد تضعف هذه الإعلامية فتؤدي إلى الارتباك والغموض وربما رفض النص.
سادساً: الموقفية:
لقد اهتم البحث اللغوي الحديث بدراسة السياق فمعنى الكلمة في المعجم متعدد ومحتمل، ولكن معنى اللفظ في السياق واحد لا يتعدد بسبب ما في السياق من قرائن مقالية تعين على التحديد، وارتباط كل سياق بمقام معين.
ويصرح فيرث بأن المعنى لا ينكشف إلا من خلال تسييق الوحدة اللغوية، أي وضعها في سياقاتها المختلفة، والسياق عند فيرث ينقسم إلى قسمين:
– السياق الداخلي، ويتمثل في العلاقات الصوتية والصرفية والنحوية والدلالية بين الكلمات داخل تركيب معين.
– السياق الخارجي، ويتمثل في السياق الاجتماعي أو سياق الحال، وهو يشكل الإطار الخارجي للحدث الكلامي.
وتكمن أهمية السياق الخارجي – سياق الموقف – في أنه يفسر أمورا لا يستطيع السياق اللغوي وحده تفسيرها، حيث يضم سياق الموقف مجموعة العلاقات بين المشتركين في الحدث ووسيلة التواصل، والمكان، والمحيط الثقافي، يضم كل هذه الأمور إلى السياق اللغوي.
وهناك من قسم السياق إلى ثلاثة أنواع، هي المسرح اللغوي، ويُقصد به المكان والزمان الخاصين بالمتكلم والمستمع. والعالم المتَحَدَث عنه في الكلام  – حقيقة أم خيال- . والبيئة النصية.
سابعاً: التناص:
وهو استحضار نصٍ ما لنص آخر، ويعني كذلك تلك العناصر الموجودة في نص ما وتربطه بنصوص أخرى، والنصوص بذلك تتشكل من نصوص أخرى وتنبني من مضامينها. فكل نص هو استيعاب وتحويل لعدد كبير من النصوص.
ويمثل إدراك التناص جزءا مهما من عملية فهم النصوص حيث إنه يزودنا بمسلمات ومواضعات أرستها نصوص سابقة، حيث يتعامل معها النص الجديد بطريقته الخاصة : يحاورها، يدحضها، يعدلها، يقبلها، يرفضها، يسخر منها، يشوهها، وأي كتابة أدبية تنطوي على قدر ملحوظ من التناص، وقد أخرج التناص النص من سجن البنيوية ليندمج في التاريخ والمجتمع.
ويُبرز لنا الحديث عن فلسفة التناص مصطلحين يمثلان موقفين محددين لأي نص في تعامله مع النصوص الأخرى؛ فالنص قد يكون مرآة لنصوص أخرى ( الترسيب ) أو يغير منها ( الإزاحة ).
التماسك ( الاتساق )
يتعامل نحو النص مع النصوص باعتبارها بنية كلية غير قابلة للتجزئة، وبالتالي يقوم التحليل النحوي على كشف وتحليل الخواص التي تؤدي إلى تماسك النص، ومن هذا المنطلق شغل التماسك أو الاتساق مساحة شاسعة في الدرس اللساني الحديث، فقد حظي باهتمام كبير من قبل علماء النص، بدءا بالوقوف على مفهومه، وتبيين أدواته، ووسائله، والسياقات التي تكتنف النص، وعلاقتها به، وانتهاء عند تحليل نماذج معينة توضح هذه الأمور كلها.
ونظرا لأهميته البالغة هناك من علماء اللغة من جعلوا مؤلفاتهم تحمل هذا المصطلح، ولعل أهمها كتاب “هاليداي” و”رقية حسن” (Cohesion in English) وقد أكدا فيه على التماسك لدرجة تجعلنا نعتقد أن النص ما هو إلا تماسك. وهكذا أصبح التماسك يفرض وجوده في كل النصوص، ذلك لأن كل جملة تتوافر على بعض أشكال التماسك مع سابقتها مباشرة، كما أن كل جملة – على الأقل -تتضمن أداة أو وسيلة ربط تربطها بما قبلها وبما سوف يأتي.
ويعرَّف الاتساق بكونه مجموعة الإمكانيات المتوافرة في اللغة والتي من شأنها أن تجعل أجزاء النص تتماسك. فالاتساق هو ذلك التماسك بين الأجزاء التي تشكل النص، ويتعلق بالوسائل اللغوية الشكلية التي تصل عناصر النص. كما أنه يعني العلاقات النحوية أو المعجمية، بين عناصر النص المختلفة، فمعنى الاتساق يتعلق بالروابط الشكلية.
والحق أن هذا المفهوم لم يكن بعيداً عن تناول القدماء، فقد ألمحوا إلى أن الكلمات والجمل يعلق بعضها ببعض حتى تفيد معنى، لأنه إذا أصبح الكلام خاليا من السبك أصبح في حكم الأصوات التي يُنعق بها، على حد قول ابن يعيش، ولذلك حصر علماء النص أهمية السبك في ” جعل الكلام مفيدا، ووضوح العلاقة في الجمل، وعدم اللبس في أداء المقصود، وعدم الخلط بين عناصر الجملة، واستقرار النص وثباته، وذلك بعدم تشتت الدلالة الواردة في النص”
مظاهر الاتساق ( التماسك):
ويتحقق السبك من خلال عناصره النحوية والمعجمية التي تؤدي إلى اتصاف النص بصفة الاستمرارية، وتحتوي عناصر السبك على نوعين هما :
1- عناصر السبك النحوي:
الإحالة ( الضمائر، الإشارة، الموصول ) Reference
الاستبدال Substitution
الحذف Ellipsis
الوصل أو الربط Conjunction
2- عناصر السبك المعجمي
التكرار والترادف
المصاحبة اللغوية
وسنحاول التركيز على أكثرها ورودا، وأكثرها تأثيرا في تحقيق التماسك : المرجعية (الضمائر – الإشارة – الموصول)، العطف، التأكيد، البدل النعت، الحذف، التكرار.
أولا: الإحالة  -المرجعية- ( الضمائر الإشارة الموصول):
مدخل:
الإحالة من أهم وسائل الاتساق والانسجام، وهي أهم معيار من المعايير التي تسهم في الكفاية النصية، فهي وسيلة من أهم وسائل سبك العبارات لفظياً دون إهمال لترابط الدلالات الكامنة تحتمها. فهي كما قال ” روبرت دي بوجراند ” :”صياغة أكبر قدر من المعلومات بإنفاق أقل قدر ممكن من الوسائل”. فالإحالة قادرة على صنع قنوات وجسور للتواصل بن مكونات النص الظاهرة وأجزائه المتباعدة. تلك الأجزاء التي تمثلها الكلمات والجمل والعبارات، كما ينبغي ألاَّ يصرفنا اهتمامنا بالجانب الشكلي للترابط عن الترابط الدلالي فهو هدفنا ونهاية غايتنا، ولن نغفله كما فعل “هاليدي ورقية حسن” عندما ركَّزا في كتابهما ” الاتساق في الإنجليزية” على الترابط الشكلي الملحوظ.
من المألوف عندما يرتجل المتحدث الكلام فإنه يعيد الألفاظ في العبارات والجمل والتراكيب التي تتحد في دلالتها، وهنا يأتي دور الإحالة لتعالج هذه المشكلة إنها تقوم بوظيفة الاقتصاد والثبات المعنوي، فاستخدام نظام الإحالات هو من قبيل الإيجاز والاختصار. وبالإضافة إلى الإيجاز تؤدي الإحالة إلى الدقة الدلالية؛ حيث يعود اللفظ إلى شيء سابق دون تكراره، فتكراره يؤدي إلى خلط حين يتكرر داخل النص الواحد، ومن هنا يمكن الخروج من رتابة الأسلوب مع إحكام السبك باستخدام وسائل مختلفة، تأتي في مقدمتها الإحالة.
مفهوم الإحالة:
لن نتحدث عن تعريف الإحالة لغة، بل سنكتفي بذكر مفهومها الاصطلاحي، فقد عرَّفَ “روبرت دي بوجراند” الإحالة بقوله:” يتم تعريف الإحالة عادة بأنها العلاقة بين العبارات من جهة وبين الأشياء والمواقف في العالم الخارجي الذي تشير إليه العبارات” في حين أهمل محمد خطابي في لسانيات النص الحديث عن مفهوم الإحالة.
ويمكننا أن نقترب من معنى الإحالة فنقول: هي علاقة دلالية تربط ألفاظ معينة بما تشير إليه هذه الألفاظ من ألفظ أو مواقف يدل غليها السياق اللغوي أو سياق المقام، ولقصدية المتكلم الأثر في منح المعنى لتلك الألفاظ المحيلة، ولهذا يقول ستروسن:” إن الإحالة ليست شيئا يقوم به تعبير ما؛ ولكنها شيء يمكن أن يحيل عليه شخص ما باستعماله تعبيرا معينا” وهذا الكلام ينبغي ألاَّ يدفعنا إلى إغفال أثر اللفظ الذي يحمل المعنى، فاللفظ هو الذي يحيل في الأمر بقصد المتكلم.
والإحالة في لسانيات النص هي أداة من أدوات انسجام النص وتماسكه؛ حيث تخلق علاقات معنوية من خلال عناصرها المختلفة، وذلك عن طريق مباشر بوجود عنصري الإحالة ( المحيل والمحال إليه ) دون حاجة إلى تأويل أحدهما؛ فحين أقول:” هذا هو الكتاب الذي قرأته ” فالهاء في (قرأته) ترجع إلى كلمة (الكتاب) السّابقة الذّكر وعوّضتها، فالمحيل والمحال إليه في هذا المثال ظاهران ولا يحتاجان إلى تأويل. وفي حال عدم وجود المحال إليه بشكل مباشر داخل النص يقوم المتلقي بتأويلها، ويرتبط هذا النوع من الإحالة بالمقام التّداوليّ المحيط بالنّص أو الملفوظ، وهنا يجدر بنا أن نؤكد على أهمية أن تتصف العلاقة بين المحيل والمحال عليه بالتوافق والانسجام من خلال اشتراكهما في مجموعة من العناصر التي تؤكد طبيعة تلك العلاقة، بعضها نحوي مثل إمكانية الإسناد إليه، والآخر صرفي مثل الإفراد والتثنية والجمع أو التذكير والتأنيث.
أدوات الإحالة:
ونعني بها تلك الأدوات أو الألفاظ التي تهدينا لتحديد المحال إليه داخل السياق اللغوي أو سياق المقام. وتتوافر تلك الأدوات في كل لغة طبيعية، وقد قسَّمها هاليدي ورقية حسن في كتابهما ” الاتساق في الإنجليزية ” إلى الضمائر وأسماء الإشارة وأدوات المقارنة
ويمكننا تقسيم الإحالة إلى قسمين رئيسيين:
1- إحالة داخل النص: وتسهم مباشرة في تحقيق اتساق النص لأنها تحيل داخله. وتنقسم إلى:
أ- إحالة قبلية: وهي تعود على عنصر سابق، سبق ذكره والتلفظ به، وهي أكثر الأنواع شيوعا في الكلام.
ب- إحالة بعدية:  وهي تعود على عنصر مذكور بعدها ولاحق عليها.
2- إحالة خارج النص : وتسمى المقامية حيث ننظر إليها في إطار سياق الموقف الخاص بالنص.
تكثر الإحالات في نصوص القصص والروايات، لأسباب منها:
– أن وجودها يؤكد على ترابط الرواية؛ مما يساهم في استمرارية خيط الأحداث.
– ولأنه نص حكائي ففد كثرت فيه الجملة الفعلية، ومن ثم فقد كثرت الإحالة عما يحكى عنه.
والإحالة لابد أن تجسَدَ في عناصر إحالية، وهذه الأخيرة لا يتحدد معناها إلا بالعودة إلى ما تحيل عليه، وقد قسمت عناصر الإحالة إلى:
1- شخصية ويمثلها الضمائر
2- إشارية ويمثلها أسماء
3- مقارنة ( أفضل، أكثر، أكبر، مثل … إلخ
4- الموصولات
تكتسب الضمائر أهميتها لأنها تنوب عن الأسماء والأفعال والجمل المتتالية، إلا أن هذه الأهمية تُجاوز مستوى النيابة، لكونها تقوم بالربط بين أجزاء النص، من حيث الشكل والدلالة داخل وخارج النص.
والضمائر التي نقصدها ونعنيها في دراستنا ليست وقفا على ضمائر المتكلم والمخاطب والغائب فحسب، بل تشمل كذلك ضمائر الإشارة والضمائر الموصولة، لأن هذه الأخيرة تؤدي وظيفة الإشارة والمرجعية والربط، تماما كما تفعل الضمائر.
الضمائر عند علماء العربية:
تجلى هذا الأمر في كلامهم عن الإحالات الخارجية والداخلية، القبلية والبعدية منها، دون أن تقتصر أهميته على المرجعية فحسب، بل على المرجعية والربط بين الأجزاء الداخلية من جهة، وبين ما هو داخلي وخارجي من جهة أخرى فكانت جهود البعض من علماء اللغة في الحديث عن قوة التماسك ولكن على مستوى الجملة. فقد أنتجوا مادة غزيرة تتعلق بالمرجعية القبلية والبعدية، وبمواضع وجوب وجود الروابط، وما يحتاج إلى رابط، وتحدثوا كذلك عن مواضع عودة الضمير فيها على متأخر، وهي ما يعرف بالمرجعية اللاحقة.
فعلى الرغم من أن الأمر كان محصورا في الجملة، فإن ما يؤديه الضمير على مستوى الجملة، يمكن أن يؤدى على مستوى أكبر (النص)، فلا يقتصر دور الضمير في التعويض عن الاسم الظاهر، ولكن يتعداه ليكون رابطا يحقق التماسك النصي. فلقد عالجت تحليلات بعض المفسرين مرجعية الضمير في النص القرآني إلى السابق واللاحق، وإلى ما هو خارج النص، وقضايا كثيرة كانت توحي بالحاسة النصية لديهم.
الضمائر عند علماء النص:
تعددت إسهامات علماء النص وتنوعت بخصوص أهمية الضمائر في تحقيق التماسك النصي شكلا ودلالة. ومن ثمة أكد النصيون المعاصرون أن الضمير على قدر من الأهمية والفعالية لكونه يحيل إلى عناصر سابقة عليه بمعنى سبق التلفظ بها في النص. وأن ما يميز الضمير( هو) – مثلا – هو تغيبه وعدم حضوره في النص، وكذا قدرته الكبيرة على الإسناد، وهذا ما يجعل الضمير يحظى بهذه الأهمية في دراسة التماسك النصي.
ويذكر “هاليداي” و”رقية حسن” أمثلة كثيرة توضح كيف تحقق الضمائر التماسك النصي عن طريق مرجعية الضمير.
لاحظ المثال التالي:
أ- تركي اشترى سيارة جديدة
ب- سيارة تركي جميلة د- هو ( تركي ) اشتراها ( السيارة ) منذ عام.
جـ- هذه السيارة الجديدة لتركي
نرى بأن الضمير (هو)  في الجملة (د) عائد إلى مذكور  (تركي) في الجمل الثلاثة السابقة. والهاء الملتصقة بالفعل ( اشتراها ) في الجملة الرابعة تعود إلى السيارة المذكورة في الجمل السابقة. فهذه المرجعية قد حققت تماسكا بين الجمل الأربع، كما أسهم الضميران في عدم تكرار الاسمين السابقين.
وقد تعود الضمائر حسب “هاليداي” ورقية حسن إلى أكثر من فكرة سابقة، كما ترجع إلى جمل أو فقرات، وهذا كثير في النص القرآني، جاء في قوله تعالى:” هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لقوم يتفكرون”
فنلاحظ أن ( ذلك ) أشارت إلى النعم المذكورة في كل الجمل التي ذُكرت سابقا، وفي هذا يتحقق التماسك بين الجمل من خلال وجود ( ذلك ) .
ومن إسهامات المحدَثين في تحليلاتهم النصية هو تأكيدهم على دور السياق في معرفة مرجعية الضمير، خاصة إذا كانت مرجعيته غامضة أو خارجية ( مقامية )، لأننا في غياب سياق الحال نشعر بالعجز أمام تفسير وتأويل ما يقال، والنموذج الأكثر دقة، وتمثيلا لهذا النوع من الإحالة هو قوله تعالى في سورة الحاقة:” فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لا تُبْصِرُونَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلا مَا تُؤْمِنُونَ * وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ * لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ * وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ * وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ * وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ * وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ”
إنَّ المتأمل لهذه الآيات يدرك بأن التحديد المحال إليه في الضمائر التي وردت، يكون من المقام أو السياق أو الخلفية المعرفية ( إنَّه ) أي القرآن الكريم، وما (هو) أي القرآن نفسه. ولو تَقَوَّلَ أي محمد –صلى الله عليه وسلم- على قول بعض المفسرين، ( فما منكم ) أي الذين يعارضون…
تلك الإحالات المقامية على الرغم من أنها لا تسهم في اتساق النص إسهاما مباشرا، إلا أنها تسهم في إبداع النص لكونها تربط اللغة بالسياق.
من عناصر السبك النحوي الإحالة بـ” أفضل التفضيل ”
كما تعد ألفاظ المقارنة من عناصر الإحالة النحوية، فهي لا تختلف عن الضمائر وأسماء الإشارة في كونها نصية تقوم بوظيفة اتساقية تماسكية.
ثانياً: التوابع:
نستعرض الآن وسيلة أخرى من وسائل التماسك النصي، ألا وهي التوابع. وسنحاول إبراز دورها في تحقيق التماسك.
ويظهر أن علماء النص اكتفوا منها بالعطف والإبدال، إلا أننا نجد “إبراهيم الفقي” يرى بأن النعت والتوكيد من أهم وسائل الربط تحقيقا للتماسك النصي. رأينا سابقا بأن مرجعية الضمائر تتجاوز الجملة الواحدة إلى عدد كبير من الجمل المكونة للنص، لتربط الضمائر في نسيج واحد يسمى النص. فهل يتعدى دور التوابع إلى عدد كبير من الجمل.
أهمية التوابع عند القدماء:
لقد توفرت التوابع في النص القرآني بشكل كبير، نجد منها على وجه الخصوص العطف، إذ لا نكاد نجد آية من آيات القرآن الكريم تخلو منه، فهو من الوسائل المنتشرة بكثرة والتي تنشئ العلاقات بين جمل النص، فنحن عندما نقرأ نصا من النصوص نلاحظ أن جل الجمل والفقرات تلتحم بسابقتها بحرف من حروف العطف.
فقد حظي العطف باهتمام كبير من الدراسة عند علماء العربية قديما، فنحن لا نكاد نرى كتابا من كتب النحو العربي خاليا من الحديث عنه، كما نال نصيبه من علماء النص المعاصرين كذلك.
أما القدماء فيربطون العطف بقضية “الفصل والوصل” ويعرضونها على ثلاثة ظواهر:
1- كمال الاتصال: لا يجوز العطف فيه، لأننا لا يمكن أن نعطف الشيء على نفسه.
2- كمال الانقطاع: وهو ما لا يجوز العطف فيه كذلك، لعدم وجود علاقة تبيح الربط.
3- التوسط بينهما: وهو وجه يجوز فيه العطف، لوجود نوع ارتباط وهو المشاكلة التي تبيح الربط بين المتعاطفين وذلك مثل التضاد.
أما عن وظيفة العطف فهي وصل الكلام والإشراك بين المتعاطفين، فأدوات العطف تحقق التماسك بين الجمل، وتحدد ملامح النظام الذي يقوم عليه النص.
وقد تجاوزت نظرة القدماء حدود الجملة بصفتها وحدة كبرى، فذكروا العلاقة بين العديد من الجمل ليقتربوا بذلك من تحليل النص، ومن تلك الدراسات الجديرة بالاهتمام ما فعله”ابن الناظم ” إذ قسّم العطف إلى معنوي ولفظي؛ فالأول اشتراك في اللفظ والمعنى، والثاني اشتراك في اللفظ دون المعنى. فكان هذا إدراكا منه لنوعي التماسك الشكلي والدلالي اللذين سعى لتحقيقهما علماءُ النص.
أهمية التوابع عند النصيين:
لقد أولى علماء النص قضية دور العطف في تحقيق تماسك النص اهتماما كبيرا، أما عن الوظائف التي يؤديها العطف فتتمثل في الربط إلى جانب الاختزال والاختصار، وهما تمثلان أهم وظائف هذه الأدوات. أما فيما يخض باقي الأدوات فلكل منها دلالة معينة تتحدد من التراكيب التي ترد فيها.
إن المتأمل لأدوات العطف التي وردت في النص القرآني الكريم يدرك مدى فعاليتها في جعل هذا النص يتسم بالإيجاز والتماسك، لأن استخدام أداة معينة يغني عن كلمات وجمل كثيرة قد حُذِفت، كما أنه كلما زاد عدد هذه الأدوات، ازدادت قوة التماسك بين مكونات النص القرآني. ونظرا لأن حروف العطف تكتسب دلالتها عن طريق السياق التي ترد فيه هذه الحروف كان طبيعيا أن توجد علاقة بين المتعاطفين، وقد صنف العلماء هذه العلاقات إلى أربعة أنماط:
1- الوصل الإضافي:  ويتم بواسطة الأداتين (و, أو) والتعبيرات (بالإضافة إلى ذلك، كذلك، بالمثل، أعني فضلا عن ذلك، مثلا، نحو)
2- الوصل العكسي : ويفيد أن الجملة التابعة مخالفة للمتقدمة، ويتم بواسطة أدوات وتعبيرات مثل : على الرغم من هذا  و مع ذلك و  إلا أن و لكن و بيد أنَّ و غير أن و وأمَّا و خلاف ذلك و على العكس و في المقابل … إلخ
3- الوصل السلبي: يُمكِّننا من إدراك العلاقات المنطقية كالسبب والنتيجة، والشرط والجواب، ويعبر عنه بعناصر مثل: نتيجة ذلك و بناء على ذلك و هكذا و لذلك و من أجل و لأنَّ و لـــــــ ولكي .
4- الوصل الزمني: كآخر نوع يعبِّر عن علاقة بين أطروحتي جملتين متتابعتين زمنيا، ويعبر عنه بعناصر مثل: ثم و ف و بعد و قبل و منذ و كلما و بينما و في حين … إلخ.
الربط المعنوي: النعت
يُعد القدماء النعت من الروابط المعنوية، فبالرغم من أنه لا يعتمد على رابط ملفوظ يجمع بين النعت والمنعوت، إلا أن الربط بينهما متحقق في علاقة الإسناد الذهنية الجامعة بينهما، والتي تجعل الاسم بمنزلة الجزء من الأول، ومنه قوله تعالى:” وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ” فالجملتان ” كأن لم يسمعها”و”كأن في أذنيه وقرا” نعت لما قبلهما، وهذا ما عرف عند القدماء بكمال الاتصال.
والتوكيد: مع عدم ذكر النصيين له هو الآخر، فإنه لا يقل أهمية في تحقيق التماسك بين أجزاء النص. ويؤكد علماؤنا بأنه تكرير باللفظ وبالمعنى، وكما هو معلوم التكرير من أنواع التماسك.
أما الإبدال:  فقد حظي بالعناية من قبل القدماء والمحدثين على حد سواء، فقد تناوله القدماء بوصفه تابعا من التوابع، والنصيون تناولوه باعتباره وسيلة من وسائل التماسك النصي، مع الإشارة إلى الاختلاف بين الإبدال عند النصيين وبين البدل عند النحويين العرب. لكن هذا لا يمثل مانعا بأن نعترف بأن البدل في النحو العربي يحقق التماسك وإن كان على مستوى الجملة الواحدة.
تتحد أهمية الإبدال في تحقيق التماسك من خلال العلاقة بين المستبدل والمستبدل منه، وهي علاقة قبلية بين عنصر سابق وعنصر لاحق عليه في النص. فهذه العلاقة تمثل الاستمرارية والامتداد، ومن هنا يتحقق التماسك.
ثالثاً: التكرار:
يعتبر التكرار ظاهرة لغوية اتسمت بها اللغات الإنسانية، واللغة العربية بخاصة. وقد تعددت الدراسات حوله قديما وحديثا، غير أن الدراسات اللغوية الحديثة أسهمت بقسط كبير في مناقشة علاقة التكرار بالتماسك النصي.
فالتكرار هو إعادة أو استرجاع للألفاظ أو الجمل أو الفقرات، ويتم ذلك باستحضار اللفظ نفسه، أو بمرادف له، بهدف تحقيق التماسك النصي بين أجزاء النص.
ويتحقق التكرار على مستويات متعددة كتكرار الحروف، والكلمات، والعبارات، والجمل، والفقرات، والقصص كما هو شائع في النص القرآني.
أما عن وظيفة التكرار في ضوء الدراسات النصية المعاصرة فيذكر العلماء بأنه يدعم التماسك النصي ويحقق العلاقات المتبادلة بين العناصر التي تشكل النص.
وتستخدم بعض النصوص بدلا من تكرار نفس الكلمة وسيلة ربط أخرى مشابهة، وهي الترادف، ويتميز عن التكرار في نفيه للشعور بالرتابة مع إضفائه تنوعا في المحتوى. كما أن الإكثار منه لا يسم الكاتب بضعف في لغته، حيث يسمح له بإظهار طاقته الإبداعية في رصف كلمات لها نفس المعنى على مسافات محددة داخل النص الواحد
رابعاً: الحذف:
يندرج الحذف ضمن عناصر السبك النحوي، ويكثُر وقوعه في اللغة العربية؛ حيث يميل المستعملون لإسقاط بعض العناصر من الكلام اعتمادا على فهم المخاطَب تارة ووضوح قرائن السياق تارة أخرى، حيث يُحذف عنصر أو أكثر من كلام تالٍ اعتمادا على ذكر هذا العنصر في كلام سابق ومنه قوله تعالى:” شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ” بتقدير” وشهد الملائكة وشهد أولوا العلم”
ويُشترط في الحذف إحاطة متلقي النص بمكونات السياق اللغوي والاجتماعي المصاحب له، ليتمكن من تقدير العنصر المحذوف تقديرا صائباً، مع وجود دليل على المحذوف.
علاقة الحذف بالإبدال (الاستبدال) والمرجعية:
باعتبار الحذف وسيلة من وسائل الاتساق، فهو لا يختلف عن الاستبدال، وهما متشابهان، غير أن الحذف استبدال من الصفر لأن الحذف لا يُعرف له أثر إلا عن طريق الدلالة فلا يحل محله شيء، أما الاستبدال فيترك أثرا يستهدي به المتلقي يتمثل في كلمة من الكلمات.
أما عن العلاقة بين الحذف والمرجعية، فهي من الأمور التي تؤكد أهمية الحذف ووظيفته في تحقيق التماسك النصي، نظرا لتوفر دليل أو قرينة مصاحبة تسهم في تقدير المحذوف.
وعليه فمرجعية الحذف قد تكون داخلية وغالبا ما تكون على مستوى أكثر من جملة، ففي هذه الحالة تحقق التماسك النصي، كما يمكن أن تكون خارجية وهنا نستعين بسياق الحال من أجل تفسير المحذوف، وفي هذه الحالة لا تسهم المرجعية في تحقيق التماسك النصي.
خامساً: المصاحبات اللغوية:
ونعني بها توارد زوج من الكلمات بالفعل أو بالقوة نظرا لارتباطهما بحكم هذه العلاقة أو تلك. وهناك علاقات معجمية كثيرة خاصة بالمصاحبة اللغوية، مثل :
1- التضاد: أي الجمع بين الشيء وضده في جزء من أجزاء النص؛ مثل الجمع بين البياض والسواد، والرجل والمرأة …إلخ وقد عرفه القدماء باسم الطباق. ويتفرع عن التضاد المقابلة مثل:” فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا ” ويستخدم التضاد لتأكيد شمولية المعنى؛ فالضد يبرز حسنه الضدُّ.
2- علاقة الجزء بالكل: يهدف الكاتب بها إلى تقديم وصف خاص لمفهوم عام.
3- علاقة الجزء بالجزء: يحاول الكاتب ذكر أكبر عدد من الأجزاء بهدف تقديم صورة عامة لما تشكله من كل واحد.
4- علاقة التلازم الذِّكري : وهي أن يجمع الكاتب بين أمر وما يناسبه، مثل ( المرض- الطبيب)
سادساً: الاستبدال:
يعد الاستبدال من أهم عناصر التماسك، ونعني به إحلال عنصر لغوي مكان عنصر آخر داخل النص، وتكمن أهمية الاستبدال في استحالة فهم ما تعنيه ” فَعَل ” -مثلا – كعناصر استبدال إلا بالعودة إلى ما هي متعلقة به قبليّاً، ويقسم علماء النص الاستبدال إلى ثلاثة أقسام :
1- استبدال اسمي: وفيه تُستبدل الكلمات ” آخر، آخرون، أخرى، واحد، واحدة ” من أسماء أخرى متقدمة عليها في النص نفسه.
2- استبدال فعلي : حيث يحل فعل محل فعل آخر متقدم عليه، مثل:” فَعَل، فعلوا، يفعلون …” ومثاله قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- ” … ولا يأتين بفاحشة، فإنْ (فعلنَ) …” حيث حلَّ (فعلن) محل الأفعال الثلاثة السابقة عليه
3- الاستبدال العباري: وفيه يتم إحلال عنصر لغوي محل عبارة داخل النص بشرط أن يتضمن العنصر المستبدل به محتوى العبارة المستبدل منها، ومنه ” فمن استطاع أن يقي وجهه من النار، ولو بشق من تمرة فليفعل، ومن لم يجد فبكلمة طيبة” فالعنصر (فليفعل ) حل محل الجملة المتقدمة عليه وكأن الأصل ” فليقِ وجهه من النار، ولو بشق تمرة” .
عناصر السبك الصوتي:
1- السجع:
يُعد السجع من عناصر صنع التماسك الصوتي، فالنهايات المتشابهة التي يخلقها السجع تعطي له الدعم الصوتي الذي يشكل وسيلة قوية للإقناع، وقد وظَّف القرآن السجع في صياعة الآيات القرآنية المكيَّة، التي أتت قصيرة ومسجوعة ليكون وقعها في الأسماع أسرع وأكثر انتظاما، وهي بذلك من العناصر التي تحقق الإعلامية للنص بشكل واضح.
2- الوزن والقافية:
تساهم عناصر السبك الصوتي مجتمعة في إشعار المتلقي بتماسك النص وترابطه لحظة أدائه، فالمتلقي يستهويه أول ما يستهويه البعد الموسيقي للغة، فالوزن عنصر صوتي يربط مجموعة من التراكيب اللغوية ويقدمها في قالب جديد يعتمد على وجود إيقاع منتظم يسيطر به على القارئ فيدفعه إلى مواصلة فعل القراءة، أما القافية فهي عنصر صوتي يوحد بين مجموعة من الكلمات في وحدة من نوع خاص. ومن ثم يغدو الإقناع وأسر المشاعر الخاصة سهلة التحقيق.

0 Reviews

Write a Review

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى