بحوث في اللسانيات الحاسوبية

حوسبة العربية، نحو لغة قادرة على التغيير

الدكتورة عالية صالح

“أنا لغتي” “أنا ما قالت الكلمات”، “حدود لغتي تعني حدود عالمي” أو الواقع المدرك بالنسبة إلي. تُظهر هذه العبارات علاقة الإنسان بلغته، فالإنسان واللغة يصعب الفصل بينهما، واللغة التي تفتقر كلماتها إلى مفاهيم معينة تحجب عن الناطقين بها استيعاب هذه المفاهيم، واللغة المتاحة المعروفة هي الوسيلة التي نرى بها العالم على رحابته.

اللغة أداة التفكير، ولها دور في تشكيل الفكر الإنساني، ولغة الأمة تشكل تفكيرها وهويتها.

واللغة روح الحضارة وحارسها الأزلي، وهي كائن ينمو ويتطور أن توافرت له شروط النمو والتطور. ويفترض التطور الحضاري لغة قادرة على استيعاب مفردات التطور والمدينة، لغة قادرة على التواصل مع حضارات وثقافات الأمم الأخرى، وهذا لا يكون دون جهود من أبناء اللغة لتطويرها. فاللغات الحية المتصدرة في العالم اليوم هي ثمرة جهود مضنية نهض بها علماؤها لكي يطوروها فأمست تتبوأ المقام العالي الذي هي فيه اليوم.

واستعمال اللغة في البحث والتدريس والإعلام العلمي وغيرها من سبل الاستعمال ينمي اللغة ويوسعها ويسهل طرائق استعمالها حتى على غير أهلها.

والتعليم باللغة القومية قضية غاية في الأهمية، هذا ما نادى به قادة مثل غاندي ومحمد علي، وبومدين وهوشي منه. وقد أخذت قضية التعليم               باللغة القومية أبعاداً جديدة وأهمية متزايدة بفعل العولمة وانتشار التكنولوجيا المعلوماتية، وما صاحبها من ضرورة الحفاظ على التنوع الثقافي الذي بات مهدداً بسبب هيمنة اللغة الإنجليزية.

إن استعمال لغة الأمة في الكتابة العلمية والثقافة للمتخصصين وللمتعلمين من غير المتخصصين، يثقف الجماهير بتحويل العلم والتقائة إلى ثقافة عامة، ويجعل تفكير المواطنين أكثر تنظيماً ومنطقية واستقامة واستقلالية([1]).

والثقافة التقدمية هي العلم عندما يصبح في متناول الجميع متمثلاً من الجميع بلغة الجميع وهي اللغة العربية، واستعمال الإنجليزية بديلاً تكريس للفصام بين مجتمع المتعلمين وغيرهم من المتعطشين لثمار العلم المادية والمعنوية المفاهيمية.

وتعريف العلوم هو جوهر التبيئة التقنية، وهو قضية استراتيجية وليست تكتبية أو تجريبية أو آنية بالتعريب تصاغ إنسانية العربي الفاعلة، والتعريب الذي يحمل نظرة شاملة عميقة تتجاوز ترجمة المصطلحات والكتب إلى التأليف باللغة العربية وإنتاج العلم باللغة العربية والمساهمة بفعالية في إنتاج المعرفة الإنسانية وتوظيفها.

يحتاج التعريب إلى جهود منسقة عربية تؤمن بأن اللغة والتخطيط اللغوي والأمن اللغوي، والتعليم والتعليم العالي قضايا استراتيجية تمس جوهر الأمة والوطن والحضارة والتحضر. والتفريط بها والسماح لها بأن تكون مجرد شؤون خاصة بالمدارس والمعاهد والجامعات هو تفريط بالماضي والحاضر والمستقبل. وترك للمجتمع ليواجه التغريب والاغتراب.

اللغة التي تشكل هوية قومية، والتي تشكل سؤال الذات التي تعرف ما تريد، وتعرف ما يميزها عن غيرها. أو عن ذلك “الغير” الذي ترى فيه خصماً لها، والغير الذي اشتبكت معه الذات العربية، ولا تزال، منذ أكثر من قرنين، هو الغرب أو الاستعمار أو الثقافة الامبريالية. إن المجتمع يدرك ذاته من خلال شكلين أساسين من الأفعال: أفعال خارجية أو موجهة نحو الخارج، وأفعال داخلية أو موجهة نحو الداخل.

يصدر عن الأفعال الأولى تفاعل بين المجتمع كوحدة ثقافية وبين العالم الخارجي. وما الهوية الثقافية في النهاية إلا أثر لتفاعل الوحدة الثقافية، التي لا تنفصل عن “الغير” الذي تواجهه، أو المؤثرات الخارجية التي تصطدم بها.

لا يطرح الإنسان موضوع هويته إلا حين يكون مهدداً من طرف خارجي يفوقه قوة وتطوراً. تشير الهوية، بهذا المعنى، إلى الاختلاف والتهديد والنقد الذاتي واقتراح الأدوات والوسائل التي على الهوية المهددة أن تأخذ بها كي تواجه هوية أخرى مهددة لها.

اكتفت الثقافة العربية التي لم تحقق هويتها، بالتعامل مع ظواهر الحضارة الغربية، دون أن تستطيع وعي وجودها. يعتبر البعض أن التعرف على السلع الغربية تعرف على الغرب، مع أن المطلوب منهم الآلية الاقتصادية والصناعية والعلمية التي قرضت السلعة الغربية سلعة عالمية([2]).

إضافة إلى أن المثقفين العرب لم يشتقوا من ثقافتهم العربية معايير التقدم والتخلف، إنما نظروا إلى التقدم والتخلف بمقاييس أوروبية غير مدركين أن التابع لا ينتج ثقافة صحيحة، إلا إذا افترق عن المتبوع وميز ذاته منه وأقام ثقافة على هذا الاختلاف والتمايز.

وهذا لا يعني الخروج من الزمن العالمي الحديث بل التورط فيه من وجهة نظر الفرق بين الثقافة الغازية والثقافة المغزوة. ولعل الأخذ بمعايير الآخر في لحظة رفضه أساس الارتباك الفكري عند المثقفين الذين ينددون بالثقافة الغربية الإمبريالية من ناحية أو يرون في ضرورة الأخذ بها سبيلاً إلى التقدم والحداثة مرة أخرى وبسبب هذا الاندفاع قصير النظر للحصول على الوسائل الغربية فإن النخبة تغرق ثقافتها المختلفة في بحر من التفاهة والتصنيعية في أحسن الأحوال، أو في الضياع الثقافي التام.

لذا على المجتمعات العربية أن تواجه الذات وتواجه الآخر، لأنها لو واجهت الثقافة الأخرى بشكل حقيقي لتحولت إلى ثقافة قومية، أي إلى ثقافة حديثة، وهو أمر لم يتحقق. ولهذا تبدو “نحن” التي يستعملها العرب في أقطارهم المختلفة، أي “نحن العرب” فقيرة الدلالة، لأنه لا يوجد بين العرب ما يبرهن عملياً على وجود ال “نحن” المفترضة.

على المجتمعات العربية أن تتواصل مع مجتمع العولمة، العولمة باعتبارها مجتمعاً إعلامياً شاملاً شمولياً، مجتمعاً تنتشر فيه المعرفة والعلم واللغات ويتم تعمميها بحرية لا مثل لها، مخترقة بذلك كل الحدود. وفي زمن العولمة ووفق منطقها، تخضع اللغة والثقافة للتعميم والانتشار والتسويق مثلها مثل البضائع التجارية والصناعية. وفي مواجهة هذا الواقع هناك دعوات لتوظيف أساليب جديدة في ترويج القضايا العربية وتسويقها، أي تسويق المضامين، وتطوير استراتيجية للاتصال والتواصل والدبلوماسية العامة، لإيصال الرسائل العربية إقليمياً وعالمياً، وتعزيز الحوار فيما بين العرب وبين الآخر من جهة أخرى.

أن عصر الاتصالات والمعلومات، والمعرفة والحكمة والترفيه الذي نعيشه يضع أمامنا الكثير من التحديات، ويفتح أمامنا في الوقت نفسه أفاقاً واسعة. لذلك عليها التسلح بكل ما لدينا من إمكانات ووسائل لمواجهة هذه التحديات، وفي مقدمتها اللغة العربية، التي تعد أهم وسيلة اتصال فيما بين كتلة هائلة من السكان في منطقة من أكثر مناطق العالم حركة وحيوية([3]).

إن بمقدور تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات أن تنهض بدور فعال في نشر اللغة العربية والارتقاء بها في الوطن العربي وفي سائر إنحاء المعمورة.

ويحتاج النهوض بالعربية إلى التحديث والأتمتة والحوسبة وربط الشبكات المعلوماتية بين المؤسسات التربوية والأكاديمية والبحثية والاندماج في شبكات المعلومات العالمية، هذه الأمور التي أصبحت من حقائق الواقع المعاصر تشكل ضغطاً متزايداً على الثقافة العلمية واللغة العربية، وتشكل حافزاً قوياً نحو التعريب لتعميم قواعد العولمة المعلوماتية، -ولنذكر أن الحوسبة ليست معادلاً موضوعياً للتغريب، فأغلب الحواسيب تصنع خارج إطار الغرب. إن الصين التي تصنع حواسيب وزارة الدفاع الأمريكية، والهند تسيطر على نسبة عالية من برمجيات الحواسيب في العالم فالحوسبة قد تسهل عملية التعريب إن وجدت الإرادة السياسية الفاعلة والتهيئة المجتمعية المبرمجة  التي تجعل التعريب جزءاً مهماً من مفاصل شبكة المعلومات العالمية.

إن التحديات العلمية واللغوية تضع على عاتق الأمة ومجامعها اللغوية والعلمية مسؤولية الدخول في عصر المعلوماتية مستعينة بعلماء الحاسوب والمتخصصين بأنظمة الذكاء الاصطناعي، معتمدة على بحوث ودراسات في مجال التقنيات اللغوية ودراسات مشتركة بين المجامع اللغوية العلمية العربية والمؤسسات التعليمية وبين علماء الحاسوب. واضعين في المجال أهم القضايا التي نريد معالجتها ومنها:

  • التحليل الآلي للغة العربية على المستوى الصرفي والنحوي والدلالي([4]).
  • الاستعانة بالحاسوب لتعليم الصرف والتدقيق الإملائي، ومعالجة قضية([5])، الشكل في الكتابة العربية؛ فالشكل جزء أساسي من حيث المعنى ونظام الجملة والإعراب. وإن غياب الشكل من الكتابة العربية، يعني غياب نصف الرموز التي نستعملها في القراءة والكتابة. وقد كان دخول الشكل والنقط التاريخي في مسيرة تطور الكتابة العربية ثورة لغوية. وإذا استطعنا بصورة وبأخرى أن نزيل العقبات بحيث يكون كل ما يكتب باللغة العربية، كل ما ينشر في الكتب والمجلات والصحف والإعلانات والإصدارات مشكولاً.
  • دراسة القضايا اللغوية والتقنية التي تطرحها الترجمة الآلية، من اللغة العربية إلى اللغات الأجنبية، ومن اللغات الأجنبية إلى اللغة العربية.
  • حوسبة كل ما كتب بالعربية للحصول على مدونة كاملة نستطيع من خلالها إنجاز المعجم التاريخي، الذي سيكون له أثره في مسيرة اللغة العربية، يتناول تاريخ اللغة العربية ومعانيها من خلال أقدم النصوص وحتى الوقت الحاضر وذلك عن طريق البحث الآلي عن الكلمات.
  • وضع معجم موحد لألفاظ الحياة العامة العربية.
  • وضع معاجم مدرسية موجهة إلى مراحل التعليم المختلفة.
  • وضع المعاجم العربية المتخصصة في مختلف العلوم والآداب.

لقد حققت معالجة اللغة العربية انجازات ملموسة على صعيد اللغة المكتوبة وبدرجة أقل على صعيد اللغة المنطوقة، وقد حققت معالجة اللغة العربية آلياً نجاحاً تكنولوجياً واقتصادياً ملحوظاً.

عُرب نظام ويندوز وأمكن تحقيق إنجازات أساسية على مستوى العتاد والبرمجيات، طورت وحدات إدخال وإخراج مع اللغة العربية مثل لوحات المفاتيح والطابعات والشاشات وبرامج لتنسيق الكلمات، وبرنامج لقراءة النصوص العربية آلياً باستخدام المسح الضوئي للحروف.

وطور معالج آلي قادر على تحليل أي كلمة عربية إلى عناصرها الاشتقاقية والتصريفية وتفكيكها من اللواحق والسوابق وإيجاد جذر الكلمة … الخ.

وقد مكن ذلك من تحقيق إنجازات مهمة تشمل نظم اكتشاف الأخطاء الهجائية ونظم البحث في النصوص العربية على أساس صرفي. الذي استخدم في أول برنامج للقرآن الكريم، وبناء قواعد البيانات المعجمية التي يلعب فيها الصرف دوراً أساسياً، كما يعد المعالج الصرفي الآلي مقوماً أساسياً في التعامل مع النصوص العربية على مستوى الجملة.

وطور نظام آلي لإعراب الجملة العربية، وقد مكن من تطوير نظام آلي لتشكيل الجملة العربية تلقائياً والذي مكن بدوره من تطوير برنامج تحويل النصوص العربية إلى مقابلها المنطوق.مهد نظام الإعراب الآلي للدخول في عدة مجالات متقدمة لتكنولوجيا اللغة منها: نظم الترجمة الآلية. وهناك عدة مبادرات مشجعة في هذا الخصوص([6]).

لكن هذه الجهود التي تسعى لتطوير معالجة اللغة العربية آلياً تواجهها عدة مشكلات:

  • عدم تقديم الدعم اللازم للقطاع الخاص المبادر في هذا المجال.
  • ندرة مراكز البحوث الأكاديمية النظرية والتطبيقية في مجال اللسانيات الحاسوبية.
  • بعثرة الجهود العربية، سواء على المستوى النظري أم التطبيقي، فكل باحث وكل منظمة تعمل بمعزل عن غيرها. إضافة على محدودية الدراسات في هذا المجال كما ومستوى فإنها تعاني من ضعف الانتشار وانعدام التكامل والتعاون بينها، ولا تكاد تتجاوز الملتقيات والندوات([7]). ينضاف إلى ذلك غياب “حصر دقيق لها. ونحن في أمس الحاجة لدراسة ببلوغرافية لحصرها، تحاشياً لتكرار البحوث وهي ظاهرة متفشية في حقل تعريب الحاسبات([8])“.
  • الانفصال بين النظري والتطبيقي في مجال اللسانيات الحاسوبية، وذلك نتاج الانفصال بين نظر اللغوي وتطبيق الحاسوبي. لا يعقل أن ينهض المرء لمعالجة العربية بالحاسوب، وهو يفتقر إلى الحد الأدنى من المعرفة اللغوية([9])، لأن المعالجة الآلية لا يمكنها أن تتعامل إلا مع الدقيق والمضبوط والمكتمل، لذا فهي تتطلب الكشف عن دخائل البينة الدفينة للغة العربية، وتقحم الكثير من المجالات التي لم يتطرق إليها البحث من قبل واتخاذ مواقف محددة تجاه الكثير من النقاط المتخلف منها([10]):
  • الطابع التجاري الذي أصبح يحكم ضرورة الإنجاز الحاسوبي، وجعل من حصل اللسانيات الحاسوبية حقلاً تجارياً يخضع لسوق العرض والطلب ومرجع ذلك طبيعة اللغة العربية الثرية والمرتفعة المستوى، وقلة الأبحاث الأكاديمية التقنية المتعلقة بها، ولذلك كان على الشركات المطورة لتقنيات اللغة العربي، إجراء أبحاث أكاديمية مكلفة، في علوم اللغويات والرياضيات والصرف، لا تستطيع تحمل تكلفتها إلا الشركات الكبيرة، ومراكز البحث العلمي والجامعات([11]).
  • من هذا المنطلق يرى نبيل علي أن حرب العراق وجه ضربة لحوسبة اللغة العربية التي كان معظمها يجري في دولة الكويت “والتي قامت إحدى الشركات المتعددة الجنسية بحصد معظم الانجازات التي تمت بأياد عربية في مجال تعريب نظم التشغيل وتنسيق الكلمات. وهي تسعى في الوقت الراهن لاحتكار معالجة اللغة العربية آلياً على مستويات الوحدات اللغوية الأكبر في إطار استراتيجيتها لاحتكار سوق تكنولوجيا اللغات عالمياً”([12]).

تقف اللغة في نقطة مفصلية تفرض الارتقاء بمستوى التعامل مع وحدة الجملة إلى الوحدة اللغوية الأكبر الفقرة، تمهيداً للتعامل مع النصوص السردية، ليتسنى بعد ذلك الوصول إلى المفهوم حتى تفهم النصوص آلياً وينفذ إلى عمق مضمونها وذلك تلبية للنقلة النوعية لجيل الإنترنت الثاني في مجال التعامل مع الوثائق الإلكترونية باسم الويب الآلي.

وظهرت جهود لتعريب عناوين الإنترنت كان آخرها مجموعة العمل التي شكلتها منظمة إلاسكوا لهذا الخصوص ADNTF وكذلك المجموعة المتخصصة التابعة للجامعة العربية التي شكلتها اللجنة التحضيرية للقمة العالمية لمجتمع المعلومات بتونس.

علينا بذل الجهود الكبيرة في معالجة اللغة العربية آلياً لمواجهة التفجر المعلوماتي، لما تلعبه القوى الرمزية وعلى رأسها اللغة في صياغة شكل المجتمع الإنساني الحديث، لقد باتت اللغة في أمس الحاجة إلى منظور جديد يعيد النظر في جميع جوانب المنظومة اللغوية و”أصبحت الثقافة محور تكنولوجيا المعلومات، وبخاصة أن اللغة هي المنهل الطبيعي الذي تسقي منه هذه التكنولوجيا أسس ذكائها الاصطناعي والأفكار المحورية بلغات البرمجة([13]).

يقوم الاقتصاد العالمي حالياً على المعرفة مقوماً حيوياً لا غنى عنه في كل القطاعات الاقتصادية، واقتصاد للمعرفة ذاتها بصفتها قطاعاً اقتصادياً قائماً بذاته له أصوله وخصومه، وتكنولوجياته المحورية وصناعاته المغذية وشبكات توزيعه المحلية والعالمية ومنتجاته الوسيطة والنهائية ويشمل: أصول البرمجيات وبراءات الاختراع وقواعد المعارف، ومنتجات صناعة المحتوى من نشر طباعي وإلكتروني وإنتاج تلفزيوني وإعلامي، وخدمات الاستشارات مرافق والمعلومات.

لقد أصبحت المعرفة قوة دافعة ومحركاً أولياً للاقتصاد الحديث([14])، فهي أهم وسائل زيادة إنتاجية عمالة المصانع والمكاتب والحقول والفصول. ومصدر محتوى الوسائل المتبادلة عبر شبكات المعلومات والمقوم الرئيسي للبرمجيات التي تعالج المحتوى، مما كان له أثر على الأفراد والمؤسسات والدول. فأثر مورد المعرفة على الأفراد بأن تعاظم الطلب على العمالة الذهنية، وتعاظمت سطوة الرأسماليين الجدد، صنيعة اقتصاد المعرفة،ونذكر أن ثلاثة من أغنى أغنياء العالم العشرين بنوا ثروتهم من صناعة البرمجيات.

وجنت المؤسسات عوائد استثمارية ضخمة، فمثلاً إجمالي القيمة الرأسمالية لخمس شركات تعمل في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات قد تضاعفت ما يقرب 60 ضعفاً خلال عشر سنوات من 12 بليون دولار سنة 1987 إلى 700 بليون دولار عام 1997 (شركات ميكروسوفت، واينتل وكومبان، وديل، وسيسكو) ([15]).

وساهم عائد قطاع المعلومات في زيادة الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة الأمريكية حيث يفوق حالياً إجمالي عائد صناعة البرمجيات والنشر والتسجيل الصوتي والمرئي عائد قطاع الزراعة وصناعتي الفضاء والسيارات، أما الهند فتعيش قفزة هائلة من عائد قطاع صناعة البرمجيات والذي يقدر له أن يبلغ 50 بليون دولار في العام 2008.

وقد نما الإنفاق العالمي على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وفقاً لتقرير التنمية الإنسانية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي من 2.2 تريليون دولار العام 1999 إلى 3 تريليونات دولار عام 2003.

نسأل أنفسنا عرباً أين نحن من هذا؟ وما مقدار مساهمتنا؟ هل نقف موقف المستهلكين فقط؟ أم نشارك في هذا الاقتصاد العالمي وما مصير الحوسبة التي تتبناها وزارات التربية والتعليم في مدارسها في أقطار عربية متعددة؟؟

الأردن كغيره من الأقطار العربية توجه بنظامه التربوي نحو التعلم بدلاً من التعليم باستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وهو يسعى للارتقاء بوزارة التربية والتعليم لتصبح مجتمع تعلم، ويطور نظم معلوماته وإداراته لدعم عملية صنع القرار، ويطور محتوى التعلم بحيث يتم تحقيق نواتج التعلم المطلوبة لدعم تحصيل الطالب وتمكينه من الوصول للمعلومات واكتساب المعرفة والمهارات والقدرات اللازمة في مجال المعرفة، والارتقاء بدور المعلم ليصبح ميسراً وموجهاً للتعلم من خلال استخدام تكنولوجيا المعلومات، وتطوير التعلم لدعم التعلم الإلكتروني، وتطوير شبكة تعلم أردنية دعامة للبرنامج الوطني “الربط بين الأردنيين” وتوفير الدعم التكنولوجي لجميع المدارس من أجهزة ومختبرات وصيانة.

يدعمه في هذا المشروع البنك الدولي، الحكومة الاسبانية، الوكالة الكندية للإنماء الدولي، الوكالة اليابانية للتعاون الدولي، الوكالة الأمريكية للإنماء الدولي –يونيغيم- القطاع الخاص، شركة الاتصالات الأردنية([16]).

يتم انجازهذا المشروع عملياً عام 2008، حيث يكون التعليم في المدارس بجميع فروعه محوسباً، والمعلم مهنياً والبرمجيات منجزة، مما يوفر الفرص لتسويق الإنسان الأردني وبيع البرمجيات وتحقيق الأرباح.

انتبه الأردن لتنمية الثروة البشرية، وسعى لتحقيق شعار “الإنسان أغلى ما نملك”. وأن الإنسان هو صانع تقدمه أو تأخره فيجب النظر إليه على أنه عنصر أساسي في التنمية الدائمة، فهو أداتها، وهو هدفها في الوقت نفسه، وتنميتة ليست مجرد تنمية تكنولوجية فحسب بل تنمية في المجالات الإنسانية المختلفة: الاجتماعية والثقافية والفنية والأخلاقية.. وتعتمد ثروة الأمم على قيمة ما تملكه من الثروة البشرية ذات القدرات العالية في تحصيل العلم واستخدام التكنولوجيا بل في الإبداع فيها.

فالأهداف الكبرى للعملية التعليمية، من تكافؤ الفرص والتوسع في التعليم والتعليم للتميز والتميز للجميع وتحقيق مبدأ الجودة الشاملة وتنمية الطفولة المبكرة أخذتها وزارة التربية والتعليم بعين الاعتبار وهي تسعى لتطبيقها.

وبخصوص نوعية التعليم الذي هو تعليم مدى الحياة، وتمكين الإنسان من خبرات التعليم الذاتي، الذي يركز على القدرات الحياتية والاتصالية والإبداعية التي تشكل قدرة الإنسان على حل المشاكل وعلى الابتكار وعلى اقتحام المجهول، فقد أدخلت في الخطة التربوية الجديدة.

نرجو من الله أن تتحقق هذه الاستراتيجيات التي تسعى وزارة التربية والتعليم لتطبيقها. وأن لا تحدث فجوة عندما ينتقل الطلاب إلى مجتمعات الجمامعة التي يعاني معظم أساتذتها من أمية حاسوبية.

ما المطلوب على المستوى القومي العربي:

أجمعت الدراسات العلمية اللغوية الجادة، على أنه بات من الواجب تحديد معالم استراتيجية لغوية على مستوى الوطن العربي وأن تكون اللغة العربية الفصيحة على وفق مقاييسها الحديثة من الفصاحة والسلامة، هي التي يتعامل بها المواطن العربي مع التقنيات الحديثة وأن معالجة اللغة العربية حاسوبياً تشكل نقطة الانطلاق الأساسية للمدخل الثقافي لصياغة المعلومات، ويجمع علماؤنا ذو الريادة في خدمة اللغة العربية حاسوبياً على وجوب بناء أجهزة حاسوبية خاصة باللغة العربية. فيجب إخضاع تكنولوجيا المعلومات لخدمة اللغة العربية، وليس بأن تخضع العربية قصراً لضغوط هذه التكنولوجيا الساحقة([17]).

  • بلورة سياسية لغوية على مستوى الوطن العربي يساهم فيها اتحاد المجاميع العربية، ويدعي إلى المشاركة في وضعها بجانب اللغويين وغيرهم من علماء التربية وعلماء النفس وعلماء الاجتماع والبيولوجيين، والحاسوبيين، على أساس أن اللغة هي مسؤولية النخبة المفكرة قبل أن تكون مسؤولية الساسة وأهل الاختصاص.
  • توزي جهود تطور اللغة مع جهود حوسبتها، ويتم ذلك في التوسع في الدراسات المقارنة و التقابلية للغة العربية،ويكون تواصل و تقابل بين النظر اللغوي والتطبيق الحاسوبي.إذ لا يعقل أن ينهض المرء لمعالجة العربية بالحاسوب،وهو يفتقر الى الحد الأدنى من المعرفة اللغوية، لأن المعالجة الآلية لا يمكنها أن تتعامل إلا مع الدقيق والمضبوط والمكتمل.
  • المشاركة الفعالة في جهود المنظمات الدولية، وعلى رأسها اليونسكو ومنظمات المجتمع المدني العالمية المدافعة عن التنوع اللغوي وحماية اللغات القومية.
  • تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في مجال تكنولوجيا اللغة العربية بإعداد نماذج من دراسات الجدوى الاقتصادية التي تثبت الجاذبية الاستثمارية لهذا المجال التكنولوجي ذي العائد المرتفع. ويتم عن طريق التعاون بين مراكز البحث العلمي والجامعات والشركات الكبرى.
  • إنشاء مركز قومي متخصص لرعاية أمور اللغة العربية تنظير ومعجماً واستخداماً وحوسبة، وتجدر الإشارة إلى مبادرة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الجارية بلورتها حالياً.
  • إنشاء مواقع على شبكة الإنترنت لجميع المؤسسات التي لها عناية باللغة العربية وربطها بشبكة خاصة يمكن عن طريقها النفاذ السريع واتخاذ القرارات وتعميمها حال اتخاذها.
  • على جميع الأعضاء في مجامع اللغة العربية التعرف إلى كيفية التواصل عن طريق شبكة الإنترنت والتواصل يومياً، ومن لم يستطع يوفر له مساعد يساعده في هذا العمل.
  • على الدول العربية شراء سعة لربط المنطقة بالشبكة العالمية للإنترنت بهدف “أقيمة” الإنترنت لأنهم يعانون من تشرذم اتصالي بسبب ضعف التواصلية البيئية بسبب النقص الشديد في حلقات الربط على المستوى الإقليمي، بل حتى على المستوى شبه الإقليمي، وتعد التواصلية البينية عاملاً أساسياً في تنمية التنافسية في صناعة الاتصالات.

المراجع

  • د. سليمان الطراونة، اللغة العربية في القرن العشرين، الموسم الثقافي الثالث والعشرون، مجمع اللغة العربية الأردني 2005
  • د. محمد حسن عبد العزيز، اللغة العربية في القرن الحادي والعشرين في المؤسسات التعليمية في جمهورية مصر العربية الواقع والتحديات واستشراق المستقبل الموسم الثقافي الثالث والعشرون، مجمع اللغة العربية الأردني 2005.
  • حسام الخطيب، العربية في عصر المعلوماتية تحديات عاصفة ومواجهة متواضعة، مجلة التعريب، المركز العربي للتعريب والترجمة والتأليف والنشر ع15.
  • د. نبيل علي د. نادية حجازي، الفجوة الرقمية، عالم المعرفة 318، 2005.
  • د. نبيل علي اللغة العربية والحاسوب، عالم الفكر 1978، مج18، ع3.
  • د. نهاد الموسى، العربية نحو توضيف جديد في ضوء اللسانيات الحاسوبية ط1، 2000 المؤسسة العربية للدراسات والنشر.
  • مروان البواب ومحمد الطيان أسلوب معالجة اللغة العربية في المعلوماتية تونس المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم وإدارة الثقافة 1969.
  • د. علي القاسمي، التخطيط اللغوي، السن الملائمة لتعليم البنات اللغات الأجنبية، مؤتمر مجمع اللغة العربية 2005.
  • حسني عايش، الثقافة والتنمية، أوراق ملتقى عمان الثقافي التاسع شكل التعليم في العصر المعلوماتي المعرفي، 2000.
  • نحو رؤية مستقبلية للنظام التربوي في الأردن، وزارة التربية والتعليم 2002، شركة مطبعة أروى.
  • د.عبد الكريم خليفة، المجامع اللغوية العلمية العربية والتنمية اللغوية مؤتمر مجمع اللغة العربية بالقاهرة، الدورة السبعون ح1، 2004.
  • هدى سالم عبد الله آل طه، النظام المصرفي للعربية في ضوء اللسانيات الحاسوبية، رسالة دكتوراه، الجامعة الأردنية 2005.
  • د. فيصل دراج، الدستور، 23/9/2005.
  • سمو الأمير حسن، الدستور، حول اللغة العربية والتواصل ع719 ص13.

([1] ) د. سليمان الطروانة، اللغة العربية في القرن العشرين، الموسم الثقافي الثالث والعشرون، 2005، مجمع اللغة العربية الأردني.

([2] ) د. فيصل دراج، الدستور، 23/9/2005.

([3] ) سمو الأمير الحسن، حول اللغة العربية والتواصل، الدستور، ع13719.

([4]) د. محمد حسن عبد العزيز، اللغة العربية في القرن الحادي والعشرين في المؤسسات التعليمية في جمهورية مصر العربية، الواقع والتحديات واستشراق المستقبل، المؤتمر الثقافي الثالث والعشرون لمجمع اللغة العربية الأردني منشورات مجمع اللغة العربية، 2005، ص139.

([5] ) هدى سالم عبد الله آل طه النظام الصرفي للعربية في ضوء اللسانيات الحاسوبية، رسالة دكتوراه، الجامعة الأردنية، 2005.

([6] ) د. نبيل علي ود. نادية حجازي، الفجوة الرقمية، عالم المعرفة 318، 2005، ص359.

([7]) حسام الخطيب، العربية في عصر  المعلوماتية، تحديات عاصفة ومواجهة متواضعة، مجلة التعريب، المركز العربي للتعريب والترجمة والتأليف والنشر ع15 ص83.

([8] ) نبيل علي، اللغة العربية والحاسوب، عالم الفكر، 1987. مج18، ع13، ص71.

([9]) مروان البواب ومحمد الطيان، أسلوب معالجة اللغة العربية في المعلوماتية (الكلمة الجملة) استخدام اللغة العربية في المعلوماتية، كونس المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم وإدارة الثقافة (1996) المؤتمر الثاني حول اللغويات الحاسوبية، ص360.

([10]) د. نهاد الموسى، العربية نحو توصيف جديد في ضوءاللسانيات الحاسوبية ط1، 2000 المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ص53.

([11] ) تقنيات العربية إلى أين؟

Htt://www.ccse.kfupm.eda/..husni/ics489/webpages/munowes/Arabic.htm

([12] ) د. نبيل علي، د. نادية حجازي الفجوة الرقمية ص359.

([13] ) د. علي القاسمي، التخطيط اللغوي، السن الملائمة لتعليم اللغات الأجنبية، مؤتمر مجمع اللغة العربية 2005.

([14]) حسني عايش، الثقافة والتنمية/ أوراق ملتقى عمان الثقافي التاسع 23-26/6/2000 شكل التعليم في العصر المعلوماتي المعرفي/ ص218-219.

([15] ) د.نبيل علي، ونادية حجازي، الفجوة الرقمية، ص393.

([16]) نحو رؤية مستقبلية للنظام التربوي في الأردن، وزارة التربية والتعليم 2002، شركة مطبعة أروى.

([17]) أ.د.عبد الكريم خليفة، المجاميع اللغوية العلمية العربية والتنمية اللغوية، مؤتمر مجمع اللغة العربية بالقاهرة، العربية الأردني، 2004 ص14. الدورة السبعون ج1.

0 Reviews

Write a Review

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى