مقالات في اللسانيات الحاسوبية

العلاقة بين الحاسوب واللغة وميادين المعالجة الآلية

د. عبدالعزيز بن عبدالله المهيوبي

“بعد فترة وجيزة من اختراع الحواسيب، تبيّن أنَّه بإمكان الحاسوب القيام بعمليات غير الحسابات الرياضية، وأنَّ السرعة التي يقوم بها الحاسوب بعملياته يمكن استعمالها في الكثير من المهام غير الرياضية البحتة؛ فقد تبيَّن أن هناك إمكانية اتخاذ القرارات، وأنَّ هناك إمكانية التعرف على الصور. وتكوَّنت حقول جديدة تقع تحت مظلة الذكاء الاصطناعي، كان من أهمها حقل معالجة اللغات الطبيعيّة.”[1]

لقد احتلت اللغات الطبيعية[2]، وطرق معالجتها خلال فترة قصيرة حيزاً كبيراً من استعمالات الحاسوب، فمنذ بداية الأربعينيات من القرن الماضي، والمحاولات مستمرة لتعديل قواعد اللغات الطبيعيّة من الشكل الوصفي الأدبي إلى الشكل العلمي الدقيق، “والذي يمكن برمجته حسب الإمكانيات التي يوفرها الحاسب لكل حقبة زمنية. وفي الوقت الذي أثبت فيه الحاسوب التفوق في المسائل الرياضية باستخدام لغات برمجة من الأجيال الأولى، افتقر إلى معالجة اللغات الحيّة بدرجة عالية من الدقة. وهذا التقصير يستدعي البحث عن أسلوب جديد لمعالجة هذه اللغات التي تتطلب من الحاسب اتّباع أساليب الذكاء للتمكن من تحليلها ومعالجتها بصورة قريبة من تفكير الإنسان. وتتوفر الآن لغات برمجة عالية المستوى تتسم بما يطلق عليه الذكاء الاصطناعي، الذي يجعل الحاسب يستقبل، ويحلل، وينفذ ما يُعطى إليه بشكل يوحي للإنسان بأنه يتعامل مع آلة لها القدرة على الفهم والإدراك.”[3]

لقد زاد إقبال الإنسان على استخدام الحاسوب في جميع الحقول والميادين؛ فدخل الإنسان الآلي (الروبوت) المصانع، وتطوَّرت المترجمات الفورية بين اللغات، وبرامج التعرّف على الكلام وتوليفه آلياً،…، “وجميع التطبيقات المتطوّرة تتناسب في درجة تطورها تناسباً طردياً مع درجة تسخير اللغة والاستفادة منها، لأن التعامل المباشر مع الآلة يتطلب التخاطب بين الإنسان والآلة، وتتم هذه العملية عن طريق لغة مشتركة بينهما، ومن هنا كلّما كانت لغة التخاطب قريبة من لغة الإنسان كان الجهد أقل والألفة أكبر.”[4]

اقتضت طبيعةُ اللسانيات الحاسوبية، أن تُعنى -كما أسلفنا- بجانبين: نظري وعملي، أوّلهما: يوجّه طاقاته لاستجلاء قدرات العقل البشري في توليد المعرفة اللغوية، ومن ثمّ صياغة هذه القدرات بصورةٍ رمزية منطقية، وثانيهما: يستثمر ما تحقق في الجانب النظري، لتمثيله في الحاسوب ليكون قادراً على محاكاة الإنسان في استعماله للغة[5]. ويقتضي أن تتعدّد ميادين المعالجة الآلية للغة، إذ تفرض اللغة نفسها في كل مناحي الحياة بصور وأشكال متعددة على المستويين: المكتوب والمنطوق، ولأجل ذلك؛ فإن ميادين المعالجة وأشكالها ستتعدّد وفق تعدّد مستويات اللغة المتمثلة في الأصوات، والصرف، والنحو، والدلالة، والمعجم.

وإذا كانت مجالات الإحاطة باللغات البشرية متعدّدة، فإن الحوسبة اللغوية ستتعدد أوجهها، لتشملَ الدراسات الأسلوبية، والمعجمية، والتأليف النصي، والترجمة الآلية، وغيرها من الميادين التطبيقية، إذْ إنَّ التطور في هذا الحقل مرهون بمدى توسع معارفنا اللغوية، وقدرتنا على وضع أُطر مُلائمة للمشاكل اللسانية بطريقة تجعلها تتواءم ومتطلبات الحاسوب.

وتبرزُ مجالات المعالجة الآلية للغات الطبيعيّة في المجالات الآتية :

1 – الأصوات والأنظمة الصوتية، لتطوير برامج التعرف على الكلام وتوليفه آلياً.

2- الصرف، وذلك لأغراض التوليد الصرفي للغة، والتحليل بهدف الترجمة الآلية، والتدقيق الإملائي.

3- بناء المعاجمِ اللغوية.

5- النحو، لأغراض مثل التفسير الآلي للكلامِ البشري، وإنتاجه لأغراض الترجمة الآلية.

6- وضع برامج لمعالجة النصوص دونَ اهتمامٍ بتراكيبها اللغوية أو معانيها، وتستعمل هذه البرامج في وضع الفهارس والتصنيف والترتيب.

[1] يُنظر: خضر، محمد، الحروف العربية والحاسوب، عمّان، الموسم الثقافي الرابع عشر لمجمع اللغة العربية الأردني، 1996م.

[2] اللّغات الطّبيعيّة هي تلك اللّغات الّتي نستعملها في حياتنا اليوميّة، مكتوبةً أو منطوقةً، سرداً أو حواراً، وبكلّ ما يكتنفُها من لبس، ونقص وأخطاء لغويّة.

[3] العجيلي، عبده ذياب، الحاسوب واللغة العربية، إربد، الأردن، منشورات جامعة اليرموك، عمادة البحث العلمي والدراسات العليا، 1996م، ص14.

[4] المرجع السابق، ص15.

[5] الموسى، نهاد، العربية نحو توصيف جديد في ضوء اللسانيات الحاسوبية، ص53-54.

0 Reviews

Write a Review

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى