بحوث في اللسانيات الحاسوبية

البرمجة الآلية للغة

عصام التيهامي

مقدمة:

لم تشهد الحضارات الإنسانية عبر قرون، ظهور وتطور تقنية من التقنيات، بالشكل  والسرعة التي ظهرت وتطورت بها التقنية التي يطلق عليها اليوم تقنية المعلومات، التي تعتبر مرحلة متقدمة من مراحل تطور البشرية، فقد غزت وسائل وأجهزة هذه التقنية مختلف  النشاطات والقطاعات في بلدان مختلفة و بالأخص المتقدمة منها.

     وأطلق على تقنية المعلومات الثورة الصناعية الجديدة، أو ثورة المعلومات.

وأصبح الحديث عن مجتمع المعلومات كبديل للمجتمع الصناعي،  بمعنى أن المعلومات أصبحت تمثل إحدى الموارد الرئيسية في عملية التنمية.        والمحورالاقتصادي في الثورة المعاصرة وتعد اللغة والحاسوب إحدى المحاور الأساسية، إن لم تكن المحور الأساسي للثورة العلمية المعاصرة، لقد كان من المنطقي بل من الحتمي أن تتوطد الصلة  وتتوثق العلاقة  بين اللغة والحاسوب، وذلك ” لسبب أساسي وبسيط، هو كون اللغة تجسيد  لما هو جوهري في الإنسان، أي النشاط الذهني وتجلياته، في الوقت نفسه الذي  يتجه فيه  الحاسوب  نحو  محاكاة  وظائف  الإنسان وقدراته  الذهنية ومنها اللغة في كافة مستوياتها : (الصوت، والصرف، والتركيب، والمعجم…)  وقد أنتج تلاقي اللغة والحاسوب، فرع جديد من العلوم والذي يعرف بتسميات مختلفة، كالهندسة اللغوية، اللسانيات الحاسوبية، هندسة اللسانيات، المعلوماتية الألسنية، معالجة اللغات الطبيعية…

هذا اللقاء الذي حصل  بين اللغة والحاسوب جعل الباحثين في العلوم المعرفية يؤكدون على ضرورة  هذا الالتقاء و جدوى التعاون، وتنمية كل أشكال الاندماج

والاتصال لتسهيل تبادل التجارب والخبرات والمعلومات، كما أن المهندسين  المعلوماتيين أصبحوا يولون اهتماما  باللسانيين  لربط الاتصال بهم والعمل معهم جنبا إلى جنب، قصد استغلال إمكانيات علم اللسانيات الذي أصبح يحتل مكانة هامة و متميزة  بين العلوم المعرفية.

  • المحور الأول :

بعض المفاهيم المتعلقة بالبرمجة الآلية للغة العربية :

الخوارزميات:هي عبارة عن مجموعة من القواعد المنظمة في طريقة معينة تنطلق من القواعد البسيطة إلى قواعد معقدة ثم إلى قواعد أكتر تعقيدا .[1]

الصرف :العلم الذي يدرس بنية الكلمة والتغيرات التي تعتريها سواء بالحذف أو الزيادة، فبنية الكلمة موضوع علم الصرف، والمورفيم هو أصغر وحدة صرفية، وهي غير قابلة للانقسام فهي أصغر وحدة مكونة للكلمة، فالكلمة ممكن أن تتكون من وحدة صرفية واحدة أو وحدتين أو ثلاثة أو أكثر.

السوابق: مجموعة من الحروف تسبق الكلمة لأداء وظيفة لغوية ما .

اللواحق :وهي مجموعة من أشباه الكلمات تضم  الضمائر وعلامات تدل على العدد (مفرد، مثنى، الجمع) و علامات التأنيث وعلامات التنوين وألف التنوين .

ساق الكلمة :هي المحور الأساسي في الكلمة المراد تحليلها، ومنه نستطيع أن نستخلص جذر الكلمة .

  الجذر :حروف الكلمة الأصلية التي تمثل مادتها الأولى قبل صوغها  في قالبها الاشتقاقي الحالي.

 الميزان الصرفي: مقياس جاء به علماء الصرف لمعرفة أحوال أبنية الكلمة .

المعجم  الالكتروني :المجموع المفترض واللامحدود من الوحدات المعجمية التي تمتلكها لغة معينة بكامل مفرداتها بفعل القدرة التوليدية الهائلة للغة.[2]

  • المحور الثاني 

المعالجة الآلية لمنظومة الصرف

      إن للصرف أهمية كبيرة بالنسبة لنظام اللغة العربية ككل، كما أن لمعالجته آلياً أثراً حيوياً في جميع الأمور المتعلقة بتناول اللغة العربية حاسوبياً، ويجزم ” الدكتور نبيل علي ” في كتابه ” اللغة العربية والحاسوب ” أن ميكنة العمليات الصرفية بالنسبة للغة العربية تعد مدخلاً أساسياً وقاسماً مشتركاً لمعظم نظمها الآلية. كما يشير إلى أن مدى نجاحنا في تعريب نظم المعلومات والمعارف، يتوقف بالدرجة الأولى على ما نستطيع أن نحققه على ” جبهة الصرف “. أما على الصعيد التقني فتعد معالجة الصرف العربي آلياً مطلباً أساسياً لميكنة عمليات تحليل النصوص المكتوبة والمنطوقة، وفهمها، وتوليدها ذاتياً، علاوة على كونه أساساً لا غنى عنه لميكنة المعاجم واسترجاع المعلومات، وتحليل مضمون النصوص .

      يعد المحلل الصرفي الآلي من الآليات الأساسية للتعامل مع طبيعة الكلمات سواء كانت مجردة أو مرتبطة بزوائد ولواحق، وذلك باستخلاص العناصر الأولية لبنية الكلمة وتحديد سماتها الصرفية وأي تقدم في مجال إدخال اللغة العربية إلى عالم الحاسوبية والمعلوماتية مرهون بحل كل القضايا الصرفية، والإحاطة بمواضيعه من حيث تصريف الأفعال والاشتقاق والتوليد، والتغلب على ما هو من طبيعة اللغة، أي الإعلال والإبدال، هذا بالإضافة إلى ما يطرحه موضوع الشكل في اللغة العربية صرفيا ونحويا ومعجميا، بجانب تعدد بنية الكلمة وإعرابها وتركيبها من حيث اللواحق والزوائد.

      وقد تم التغلب على كل هذه المشاكل بوضع أسس عملية لمعالجة الصرف العربي آليا، نذكر منها حسب ما جاء به د. نبيل علي في كتابه “اللغة العربية والحاسوب”

“ضرورة تعامل المعالج الصرفي الآلي مع أطوار التشكيل المختلفة للنصوص العربية”.

 –  تجزيئ نظام الصرف الآلي لغويا.

 – تعامل المعالج الصرفي الآلي مع ثنائية الصيغة الصرفية والميزان الصرفي      

      (البنية العميقة والبنية السطحية).

–  شمولية المعالج الصرفي لجميع الجذور المعجمية الممكنة والصيغ الصرفية المسموح بها

– فصل القواعد الصرفية عن البرنامج الآلي.

– مراعاة ثنائية التحليل والتوليد[3]

– خضوع المعالج الصرفي لاختيارات دقيقة للتأكد من تغطيته لجميع الحالات

      الصرفية والمعجمية للكلمة العربية.

– الاهتمام بالمعنى باعتباره الغاية القصوى للتنظير اللغوي للصرف ومعالجته

      الآلية.[4]

– الالتزام بما خلص إليه البحث الصرفي الحديث من حيث اعتبار الكلمة هي أساس  تكوين الكلمات واستخدام الأساليب المنهجية الحديثة في تنظيم المعاجم وصياغة القواعد الصرفية وتبويبها.

يساعد هذا التصنيف على حصر الأخطاء بجميع أنواعها.

2 – تصنيف الكلمات غير المحللة صرفيا.

   أ – أخطاء إملائية.

  ب – أخطاء إدخال.

  ج – علامات ترقيم أو أرقام سقطت المسافات بينها، وبين الكلمات النهائية.

  د – كلمات قديمة الاستخدام.

  هـ – كلمات عربية مستحدثة غير موجودة بالمعاجم.

  و – كلمات أجنبية.

 ز – أسماء الأعلام الأجنبية.

  ن – كلمات عامية.

  ح- أخطاء شائعة.

يقود هذا التصنيف بمجمل الكلمات المشار إليها أعلاه إلى تحديد طبيعتها وفي ضوئه يتم:

  أ – تصويب الأخطاء الإملائية وأخطاء الإدخال.

  ب – إقامة المسافات بين علامات الترقيم أو الأرقام، وبين الكلمات النهائية.

  ج – تعديل زمن استخدام الكلمات القديمة بما أنها مستخدمة في بعض الكتابات

      الحديثة.

  د – إضافة الكلمات العربية المستحدثة إلى قاعدة البيانات المعجمية.

  هـ – إضافة الكلمات والأعلام الأجنبية إلى قاعدة البيانات المعجمية.

      ووضع رموز خاصة بالكلمات العامية والأخطاء الشائعة، حتى يمكن البحث  

        عنها.

  و – ترميز النصوص لتحديد الكلمات الفريدة.

  ز – تجهيز بيانات فك اللبس الصرفي والنحوي والدلالي.

        المحلل الصرفي الآلي:     

      يقوم المحلل الصرفي بتحليل الكلمة العربية، وإعطاء التشكيلات المحتملة لها مع مجموعة من المعلومات الصرفية الخاصة بكل تحليل مثل ( الجذر والميزان وقسم الكلم والسوابق واللواحق والتذكير والتأنيث والإفراد والتثنية والجمع وقابلية الكلمة للتنوين وما إلى ذلك )، ويعتمد المحلل الصرفي في إعطاء هذه المعلومات على قاعدة بيانات معجمية متكاملة.

  • المحور الثالث

المعالجة الآلية لمنظومة النحو

      تمثل معالجة النحو آليا صميم اللسانيات الحاسوبية، وتشهد معالجتها أقصى دراجات الامتزاج بين اللسانيات الحاسوبية، بجانب ذلك فالمعالجة النحوية الآلية هي قنطرة الوصول التي تعبر خلالها مسارات الافتراض المتبادلة بين علوم اللغة وعلوم الحاسوب.

      نشأت الحاجة للمعالجة الآلية للنحو مع ظهور الترجمة الآلية، ففي البداية ساد الاعتقاد بعدم الحاجة إلى المحلل النحوي والاكتفاء بتميز النمط التركيبي للجملة بمقارنتها بالأنماط المختلفة التي يتعامل معها نظام الترجمة الآلية.

كما هو الحال بالنسبة للمعالجات اللغوية الأخرى المعالجة النحوية التي هي شقين: الشق التحليلي والشق التوليدي

الشق التحليلي بدوره ذو مستويين:

  • مستوى التميز النحوي الآلي الكامل: وتقتصر فيه مهمة النظام الآلي على الحكم على الصحة النحوية أو عدمها تحمل قائمة بالفعل.
  • مستوى الإعراب الآلي الكامل: و فيه تمتد مهمة النظام الآلي لتشمل تحديد بنية الجملة وهيكلة مكوناتها ووظائف عناصرها وكذا تحديد موقع التقديم والتأخير أي رد البنية السطحية للقائمة إلى بنيتها العميقة وذلك بافتراض ثنائية البنية في ظل المفهوم التحويلي.

 إن على المحلل النحوي الآلي في وضعه المثالي توفير جميع المعطيات اللازمة لتحليل لغوي أعمق، ونقصد به عملية الفهم الأتوماتيكي لمضمون الجمل والسياق.

 أما الشق المتعلق بالتوليد النحوي الآلي فهو العملية العكسية لتحويل البنية العميقة    للجملة إلى صورتها السطحية أي قيام المولد النحوي الآلي ببناء جمل جديدة.

وتمثل عملية التوليد النحوي أخد مقومات رئيسية لتوليد النصوص آليا وهو أحد التطبيقات التي  تتعاظم أهميتها مع التوسع في استخدام أساليب الذكاء الاصطناعي ونظم قواعد المعارف. إن الهدف هو إكساب الآلة القدرة على تأليف المقالات وإعادة الصياغة والرد على الأسئلة وبجانب ذلك تختلف عملية التوليد النحوي الآلي من حيث طبيعتها و طرائقها اختلافا كبيرا عن عملية التحليل النحوي الآلي.[5]

 التحديات التي تواجه معالجة النحو العربي آليا:

تواجه معالجة النحو العربي آليا مشكلات عديدة  ومتداخلة ويمكن تلخيصها في القائمة التالية :

المشكلة الأولى :غياب صياغة رسمية للنحو العربي

المشكلة الثانية : إسقاط علامات التشكيل في معظم النصوص العربية

المشكلة الثالث : تعدد حالات اللبس النحوي وتداخلها الشديد

المشكلة الرابعة : المشاكل الناجمة عن المرونة النحوية للعربية

المشكلة الخامسة : حدة ظاهرة الحذف النحوي

المشكلة السادسة : قصور المعجم العربي نحويا ودلاليا

المشكلة السابعة : تعدد العلامات الإعرابية وحالات الجواز والتفضيل

المشكلة الثامنة  :عدم توفر الإحصائية النحوية[6]

العوامل الحاكمة في تحديد طبيعة المعالج النحوي:

تتعدد الطرق والأساليب في تصميم النظم الآلية لمعالجة النحو إلى درجة أصبح معها من الضروري تحديد العوامل الرئيسية التي تحدد وتفرق بينها، وفي رأي د نبيل علي أن هناك ثلاث عوامل رئيسية :

1-الشريحة اللغوية التي يغطيها النظام الآلي

2- نظام التقعيد النحوي المتبع

3- طبيعة “الخوارزميات “أي البرمجة الأساسية المستخدمة في برنامج التحليل الآلي وإستراتيجية التحكم التي تربط بينها[7]

العناصر الأساسية لمعالج النحو الآلي للجمل العربية المكتوبة :

يتكون المعالج الآلي من عدة مكونات رئيسية هي :

  1. المعجم بعد الميكنة متضمنا المعطيات النحوية الدلالية للمفردات
  2. قاعدة المعرفة النحوية وتشمل قواعد النحو وقيود الانتقاء الدلالي التي تضمن توافق الأفعال مع عناصر استنادها للأسماء مع مكملاتها وملحقاتها
  3. روتينات برامج المعالجة  وهي عبارة عن سلسلة من الإجراءات البرمجية التي تتعامل مع المعجم وقاعدة المعارف النحوية
  4. برنامج التحكم وهو الذي يحدد التسلسل الذي يتم به تنفيذ الروتينات المختلفة بحيث يمكن تحليل الجملة آليا في أقصر وقت ممكن بأقل موارد ممكنة [8]

انطلاقا مما سبق فإن دور المعالج الآلي النحوي ذو شقين تحليلي وتوليدي .

  • المحور الرابع

المعالجة الآلية لمنظومة الكتابة:

     تتميز نظم الكتابة في بعض اللغات ومنها العربية، بخاصية الحساسية السياقية والتي يقصد بها تغير شكل الحرف تبعا لسياق المدرج به داخل الكلمة.

وتختلف الحروف العربية من حيث عدد أشكالها فهناك حروف لها أربعة أشكال “منفصل ابتدائي وسطي انتهائي” كحرف العين وهناك من له شكلان فقط وهناك من له شكل واحد.

      يعتبر عدد  الأشكال متغيرا تبعا لخصائص تشبيك الحرف العربي، حيث يزداد هذا العدد مع قابلية الحرف للتشبيك يمينا ويسارا. 

يمثل تعدد أشكال الحروف العربية مشكلة بالنسبة لتعلم اللغة العربية وطباعتها

 ونسخها على الآلة الكاتبة وتبادلها عبر نظم الاتصالات، ثم أخيرا بالنسبة لنظم معالجتها آليا، وبالنسبة لهذا الأخير تتلخص مشكلاته في :

  • كثرة عدد المفاتيح بلوحة إدخال الحرف
  • زيادة عدد خانات شفرة الحروف لكي تشمل جميع الإشكالات

ج- صعوبات في طباعة الحروف على الورق وإظهارها على الشاشات المرئية

     د- مشكلات خاصة بالمعالجة الآلية الداخلية مثل تلك المتعلقة بالفرز الآلي للنصوص و مقارنتها ومطابقتها .

يقصد بمعالجة الكتابة آليا، كتلك الأمور المتعلقة بها إدخالا وإخراجا، تميزا وتوليدا، قراءة وكتابة، حفظا وفرزا، طباعة وإظهارا …

  • المحور الخامس

  ميكنة المعجم

      تستخدم المعاجم اللغوية إمكانيات الحاسوب، لميكنة المعاجم والتي أصبحت من الضخامة بحيث يستحيل تحليل الكم الهائل من تلك المواد يدويا وتشمل تطبيقات النظم الآلية في المجال المعجمي لأجل الأغراض الرئيسية التالية:

1 – تخزين المعاجم الإلكترونية على وسائط ممغنطة أو ضوئية  كالأقراص الممغنطة والأقراص الضوئية والرقمية “CD ROM “والشرائح الإلكترونية. وذلك لاستخدامها مع المعالجات اللغوية المختلفة، ولأغراض كالترجمة الآلية والتعليم والاكتشاف وتصحيح الأخطاء الإملائية وما إلى ذلك.

2 – تحليل العلاقات التي تربط بين مفردات المعجم كالعلاقات بين جذور الكلمات والصيغ الصرفية ” أو قواعد تكوين الكلمات” المنطبقة عليها أو العلاقات المتعلقة بمعاني الألفاظ كعلاقات الترادف والاشتراك اللفظي والتضاد أو العلاقات الموضوعية “مصطلحات طبية مصطلحات زراعية…”

3 – تحليل تعريفات المعجم المستخدمة في شرح معاني مفرداته وتعد هذه الدراسة التحليلية ذات أهمية خاصة لبحوث الدلالة المعجمية ونظم الفهم الأتوماتيكي واسترجاع المعلومات التي تسعى لإبراز المفاهيم الأساسية والأبعاد المحورية  لمدلولات الألفاظ المترابطة، كتلك التي تربط بين ألفاظ علاقة القرابة ” أم أب شقيق شقيقة  خال عم …” والوصول إلى نواة هذه اللغة أو قاعدة المفاهيم الأساسية التي يقام عليها معجمها وتحديد شكل مفرداتها و مدى عمق مستويات تفريعها. مثال: عالم قارة بلد مدينة حي  شارع حارة …[9]

     المقصود بالمعجم الإلكتروني قاعدة البيانات اللغوية المشفرة، تشمل جميع المستويات اللسانية: الأصوات والصرف والتركيب، بالإضافة إلى بناء معاجم إلكترونية للدلالة، على الأقل في مستواها الصوري الذي يحدد العلاقات المنطقية بين مختلف مكونات المتواليات اللسانية المقبولة في وجهيها الحقيقي والمجازي.

  • المحور السادس

الترجمة الآلية

      تحدد الترجمة عموما بأنها عملية نقل المعنى من لغة إلى أخرى، .فيما تحدد الترجمة الآلية بأنها استخدام الحاسوب في ترجمة نصوص في لغة مصدر إلى لغة هدف، ويتألف نظامها من أربعة مكونات رئيسية هي:

1 – مكون التعرف على مفردات وتراكيب النص الأصلي، ثم تحليلها لغوياً على المستويات الصرفية والنحوية والدلالية؛

2 – مكون معجمي للغتين – أو اللغات – المترجم منها والمترجم إليها، وهو عبارة عن قاموس إلكتروني مخزن في ذاكرة الحاسوب، وقد يضاف إليه قاعدة معارف أو مخزون نصي تبعاً لمنهجية الترجمة المستخدمة.

3 – مكون نحوي مقارن للغتين – أو اللغات – المترجم منها والمترجم إليها، يحتوي على قواعد الصرف والتركيب النحوي وكيفية تناظرها بين لغة وأخرى.

 4 –  مُكوِن التوليد أو الإنتاج، الذي يحوِل نتيجة تحليل المفردات والتراكيب، بعد إجراء الضبط اللازم للصيغ والتصريفات، إلى نص باللغة المترجم إليها.

         وتصنف الترجمة ،عموما، بحسب المنفذ لها، إلى صنفين كبيرين وهما:

 ترجمة بشرية، يعتبر منفذها الأساسي هو العنصر البشري، وترجمة آلية يقوم بها الحاسب الآلي، وكل صنف من هذين  الصنفين يتفرع إلى  أصناف فرعية صغرى نعرضها كما يلي:

  ▪- الصنف الأول:الترجمة البشرية (العادية) التي تعتمد على الإنسان

   ▪-الصنف الثاني: الترجمة الحاسوبية وتتفرع إلى مايلي:

ترجمة بشرية بمساعدة الحاسوب؛

ترجمة آلية بمساعدة الإنسان؛

ترجمة آلية. [10]

الهندسة اللغوية والترجمة الآلية:

      إن الحديث عن  العلاقة  البينية بين الترجمة الآلية والهندسة اللغوية، يستدعي أساسا، الإشارة إلى المجالات المعرفية المختلفة التي تتحاقل معهما، ذلك أن معالجة اللغات الطبيعية آلياً، يدخل في إطار علم مخصوص وليد التطورات التكنولوجية المتقدمة ألا وهي الهندسة اللغوية أو اللغويات الحسابية مجالها البحثي دقيق وجديد يعرض لآخر النظريات والتطبيقات الحاسوبية المجربة على اللغات الطبيعية. لأنه ميدان أقرب إلى العلوم الصلبة منه إلى العلوم الإنسانية، أطلق عليه اسم العلوم الإنسانية الصلبة في مقابل العلوم الإنسانية المرنة. حيث يلتقي فيه الجانب  النظري اللساني بكل خلفياته المعرفية والمنهجية بالجانب التقني المعلوماتي بكل تطوراته، ليشكلا معا ما يسمى بالهندسة اللغوية ، أوتكنولوجيا اللغة التي أصبحت تمثل اليوم قمة المعرفة البشرية”، التي تقوم على أساس هندسة المعرفة، وهندسة الإدراك، وغيرهما[11].

مشكلات الترجمة الآلية في اللغة العربية:

     إن الترجمة الآلية من اللغة العربية إلى لغة أخرى أو العكس، تواجه مشاكل عدة، يمكن تصنيفها إلى صنفين:

مشكلات تقنية؛

ومشكلات لغوية.

      فيما يتعلق بالصنف الأول، يمكن القول إن علوم الحاسوب تشهد تطوراً مستمراً، وتقدماً سريعاً، إلى درجة أنه غطى جميع المشكلات والمسائل المتعلقة بالتطبيقات الحاسوبية، وتأتي الترجمة الآلية والترجمة بمساعدة الحاسب في مقدمة المجالات التي استفادت كثيراً من هذه التقنية. أما بالنسبة للصنف الثاني، فهي كثيرة، وتتباين من اللغة المصدر إلى اللغة الهدف. لهذا الاعتبار، لابد من مواجهتها، و إيجاد الحلول المناسبة لها، وإلا فما الفائدة من البحث العلمي المتخصص في الترجمة الآلية؟[12]

      وهكذا، يمكن حصر أوجه التقصير بشأن الترجمة الآلية للغة العربية في الأمور التالية:

– طريقة التجزيء والتشتت التي تهيمن على الجهود العربية المتخصصة في    

   التطبيقات الآلية العربية عامة، وفي ميدان الترجمة الآلية على الخصوص، مما

   جعلها تنحرف عن الهدف المنشود، ذلك أن معظم الحلول المتوفرة حالياً، تعتبر

   حلولا جزئية، كالمعاجم الإلكترونية، وبرامج التشكيل الآلي والصرف، وغيرها.

   على أن إنجاز ترجمة آلية من وإلى اللغة العربية، وبجودة عالية تتطلب توحيد كل

   تلك الحلول، بالإضافة إلى عمليات التحليل الدلالي والنحوي والصرفي ونقل

   المعاني، ربحاً للوقت، وادخاراً للمال العربي الذي ينفق، في بعض الأحيان، في

   مشاريع نفعية وتجارية، قد لا تعود على لغة الضاد بطائل.

– قصور في الدعم المادي الحكومي أو الخاص المخصص لمثل هذه المشاريع

   التطبيقية من البحث و التطور، وإن وُجد فهو دعم قليل لا يساعد على تغطية

   تكاليف المشروع من بدايته حتى نهايته، أو أنه قصير الأمد بسبب البحث عن

   الربح السريع، وتلك ثغرة من ثغرات اللغويات الهندسية العربية.

– غياب رؤية علمية لمفهوم الترجمة عامة، والترجمة الآلية خاصة، من شأنها أن

   تؤسس فعلا لبيت حكمة عربي، قادر على إثراء الخزانة العربية بالمؤلفات والكتب

   في مختلف العلوم والفنون والآداب. و من هنا، لابد أن ننوه بالعمل القيم الذي تقوم

   بـه المنظمة العربية للترجمة، إلى جانب مؤسسات أخرى، في هذا الصدد، إذ

   استطاعت في ظرف وجيز أن تفتح أفق القارئ العربي على عوالم ممكنة من

   المعارف والأفكار من خلال ما يترجمه باحثون عرب في مجالات معرفية مختلفة

الأدوار الطلائعية الجديدة لفعل الترجمة ترجع في أساسها إلى دور الهندسة اللغوية، باعتبارها علماً إمبريقياً، يقع في مفترق الطرق العلمية بين اللغويات والهندسة، الشيء الذي مكن هذا العلم الصوري/ الخوارزمي من إثراء وتغذية حقول ومجالات معرفية كثيرة بعتاد مفاهيمي ونظري تطوير وبلورة برامج حاسوبية متطورة لأنظمة هذه اللغات بنوعيها المكتوب والمنطوق على مستويات الصرف والنحو والدلالة والمعجم؛ وهذا لن يتأتى بالفعل إلا بصياغة خوارزميات للمعالجة الآلية على مستويي التحليل والتوليد، تستطيع التعرف على المكون اللغوي المخزن في الكفاية اللسانية، ومن ثمة، التمكن من تصميم وتطوير وتنفيذ تطبيقات حاسوبية للغات البشرية من قبيل الترجمة الآلية وتعليم اللغة وتعلمها، والتعرف البصري على الحروف، وتشكيل النصوص، وبناء المعاجم الإلكترونية، وغيرها.[13]

إن الترجمات الآلية كانت في بدء أمرها مقتصرة على ثنائية اللغات، أو ما يعرف باللسانيات التقابلية، أما الآن وبعد النقلة الكبيرة في هذا المضمار فقد أصبحت تقوم بترجمة عدد كبير من اللغات في وقت واحد، وهو ما يعرف بالترميز الرقمي.

لقد حققت الترجمة الآلية نتائج ملحوظة وخاصة في ميدان النصوص العلمية. واللغويون والحاسوبيون العرب مطالبون أكثر من أي وقت مضى بالإفادة القصوى من معطيات الترجمة الآلية المعاصرة لدى الغرب، وتسخيرها لخدمة اللغة العربية .

خاتمة

     انطلاقا مما سبق يمكن تعريف الهندسة اللغوية أو اللسانيات الحاسوبية على أنها العلم الذي يبحث في اللغة البشرية كأداة طيِعة لمعالجتها في الآلة الحاسوب، وتتألف مبادئ هذا العلم من اللسانيات العامة بجميع مستوياتها التحليلية : الصوتية، والنحوية، والدلالية أيضا، ومن علم الحاسوب، ومن علم الذكاء الاصطناعي، وعلم المنطق، ثم علم الرياضيات. وذلك بوضع برامج حاسوبية لسانية طبقت فيها جميع الخوارزميات الصورية التي تتعرفها الآلة،

      إن الهدف الأساسي من الاشتغال على الهندسة اللغوية يتمثل في إعطاء قيمة مضافة للنتائج المتوصل إليها في الدراسات اللسانية الحاسوبية من جهة، و من ثم التمكن من تحقيق الصرامة والدقة في البنية الاتصالاتية للغات من جهة أخرى. ومن هنا تصبح اللغات الطبيعية عامة، واللغة العربية على وجه الخصوص، في حاجة ماسة، أكثر من أي وقت مضى، إلى تطبيقات الهندسة اللغوية، بهدف سد الفراغ الحاصل على مستويي التنظير والممارسة، وتلك ثغرة من ثغرات البحث اللساني الحاسوبي والهندسي العربي التي ينبغي التصدي لها بكل حزم وجدية.

إلا أن التطبيق على اللغة العربية ما يزال في بداية الطريق، هذا على الرغم من أن هذه اللغة لا تختلف عن أي لغة في العالم فيما يتعلق ببرنامج الكفاية اللسانية، وما تتميز به اللغة العربية عن غيرها يجب أن يدفع بها إلى مقدمة اللغات العالمية في التعامل مع الآلة

إن الطريق في هذا المضمار مازال شاقاً وطويلاً، والأمل معقود على جميع العلماء والباحثين الذين أوقفوا أنفسهم على هذا المجال النادر من مجالات العلم والمعرفة الإنسانية، أن تتكاتف جهودهم لتذليل العقبات وحل المشكلات التي تحيط باللغة العربية إزاء الثورة المعلوماتية الحاسوبية المعاصرة .

المصادر و المراجع

1 –  د. نبيل علي اللغة العربية والحاسوب، منشورات تعريب، الكويت، 1988

2 – د.عبدالرحمن بنحسن العارف توظيف اللسانيات الحاسوبية في خدمة الدراسات اللغوية العربية ـ جهودٌ ونتائج،بحثٌ قُدِّم لمؤتمر (حضارة الأمة وتحدي المعلوماتية ) المنعقد في كلية الآداب بجامعة الزرقاء الأهلية (الأردن)، في 18ـ 20 ماي2004 نشر في مجلة مجمع اللغة العربية الأردني ، العدد73- 2007م جامعة أم القرى

3 – د.عبد الغني أبو العزم  اللغة العربية والمعالجة الآلية برامج قبة الصخرة نموذجا ع31  (11)   سبتمبر 2000 مجلة تقافية فكرية  فكر و نقد

4 – د.عمر المهديوي  /بحث  الهندسة اللغوية والترجمة الآلية  المفهوم والوظيفة/ جامعة مولاي اسماعيل / المغرب  

5 – سناء منعم ومصطفى بوعناني2015 اللسانيات الحاسوبية  والترجمة الآلية  بعض الثوابت النظرية والإجرائية 

6 – د.محمد الحناش، اللغة العربية والتقنيات المعلوماتية المتقدمة، وقائع المؤتمر الدولي الثاني، مجلة التواصل اللساني. المجلد الثالث، 1996

7 – د. محمد محمد الحناش محاضرة في موضوع اللغة العربية والحاسوب (قراءة سريعة في الهندسة اللسانية العربية)أو مقاربة في محاكاة الدماغ العربي لغويا جامعة الإمارات العربية المتحدة كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية  قسم اللغة العربية وآدابها أكتوبر 2002 ص 13

8 – د.علي صبري فرغلي/الهندسة اللغوية و ثورة المعلوميات/ المركز السوداني للبحث العلمي /2013

9 – د.الذهبي محمد/ مهنة المهندس الثقافي أطروحة الدكتوراه /كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك/2013


[1] سناء منعم ومصطفى بوعناني2015 اللسانيات الحاسوبية  والترجمة الآلية  بعض الثوابت النظرية               والإجرائية  ص 96

2 نفس المرجع ص 101

[3] د. نبيل علي/اللغة العربية والحاسوب/تعريب/1988ص 299-300

[4] نبيل علي/اللغة العربية والحاسوب/تعريب/1988ص 300

[5] نبيل علي/اللغة العربية والحاسوب/تعريب/1988ص388-389-390

[6] نبيل علي/اللغة العربية والحاسوب/تعريب/1988ص391

[7] نفس المرجع-404-405

[8] نفس المرجع 406-407-408

[9] نبيل علي/اللغة العربية والحاسوب/تعريب/1988 ص 144-145

[10] سناء منعم و مصطفى بوعناني2015 اللسانيات الحاسوبية  والترجمة الآلية  بعض الثوابت النظرية والإجرائية  ص103

[11] محمد الحناش، اللغة العربية والتقنيات المعلوماتية المتقدمة، وقائع المؤتمر الدولي الثاني، مجلة التواصل اللساني. المجلد الثالث، 1996. ص.5

[12] عمر المهديوي / بحث الهندسة اللغوية والترجمة الالية  المفهوم و الوظيفة /جامعة مولاي اسماعيل /المغرب  

[13]د عمر المهديوي  /بحث  الهندسة اللغوية و الترجمة الالية  المفهوم و الوظيفة/ جامعة مولاي اسماعيل / المغرب  

0 Reviews

Write a Review

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى