مقالات في اللسانيات الحاسوبية

تطوّر معالجة الصرف العربي حاسوبياً

د. عبدالعزيز بن عبدالله المهيوبي

أولاً: الدراسات والبحوث العربية:

منذ ما يزيد على عقدين من الزمن وقناعةُ الدراسين والباحثين في مجال معالجة اللغات الطبيعية، من مختلف المشارب المعرفية سواء كانت هندسية أم لسانية، تزداد رسوخا بأهمية تطوير أنظمة الحوار بين الإنسان والآلة، على مستوى البرمجيات والآلات والأدوات .فتم الشروع منذ ذلك الحين في إنشاء مختبرات ومراكز خاصة للبحث في اللغات الطبيعية. وقد نالت العربية من هذا نصيباً وافراً؛ حيث أصبحت قابلة للاستخدام في المنظومات المعلوماتية المتطورة، وذلك ببناء قواعد معطيات نصية وقواعد بيانات معجمية، وأخرى مصطلحية في إطار مشروع للتعرف على جميع البنيات اللسانية. ومما ابتدأ به هو إنجاز معالج صرفي عربي، وذلك لما له من أهمية في التركيب والدلالة.

وإذا أردنا عرض مراحل التطور لمعالجة الصرف العربي حاسوبياً في الدراسات العربية المُعاصرة أمكن القول بأنَّ كتاب الدكتور نبيل علي (اللغة العربية والحاسوب) أول مؤلَّف يتناولُ موضوع اللسانيات الحاسوبية مُطبقة على أنظمة اللغة العربية، صوتاً، وصرفاً، ونحواً، ومعجماً، مع المعالجة الآلية لهذه النظمِ اللغوية جميعها. “وكان تاريخ صدوره لأول مرة سنة 1988م. إذ حالف التوفيق المُؤلِّف في كثير من القضايا المُتّصلة بالحاسوب واللغة، حينما انطلق في عمله هذا من وضع دراسات تقابلية بين العربية والإنجليزية شاملة لكلِّ النُظم اللغويّة، بما فيها الصرف وذلك بالنظر إلى أنَّ الإنجليزية هي اللغة الأم لتقنيات نظم الحاسوب والمعلومات، وهذا ما نتج عنه معرفة أوجه الاختلاف والاتفاق بين اللغتين، وكان هذا النهجُ بمنزلة الأرض الصُّلْبة والقاعدة المتينة التي هيأت للمؤلِّف منهجيّة موضوعية، مكَّنته من الإسهام الإيجابي في جهود تعريب الحاسوب من جهة، والمعالجة الآلية للغة العربيّة من جهة أخرى”[1].

ويُعدُّ هذا الكتاب أول كتاب في ميدان اللسانيات الحاسوبية، وهو يقوم على دراسة هذا الموضوع من منظور ثنائي  نصفه عن اللغة مطبقاً على العربية، ونصفه الآخر حاسوبي طُبِّق بعضه على العربية”[2]

وبعد نشر هذا الكتاب بسنوات ثمان – أي سنة 1996م – صدر كتاب الدكتور عبد ذياب العجيلي (الحاسوب واللغة العربية)، وهو”خطوة جزئية إيجابية نحْوَ مُعالجة مسائل مُتنوعة من العربيّة بلغة برولوج، وهو يُمثّل جهداً حميداً في اللسانيات العربية الحاسوبية”[3]

ويُعَدُّ كتاب نهاد الموسى أول مؤلَّف في هذا العلم صدر عن متخصصٍ في اللغة العربية وعلومها، لذا فهو يُمثل نقلة نوعية في توظيف اللسانيات الحاسوبية لخدمة علوم اللسانيات العربية. والكتاب “محاولة في الانتقال من وصف العربية إلى توصيفها، وذلك في ضوء الأطروحة العامة للسانيات الحاسوبية”[4] إذ اشتمل على رؤى حاسوبية حاولَ المؤلف توظيفها في أنظمة العربيّة، كالنحو (الإعراب) والصرف (البنية)، والمعجم، إضافة إلى التصويب اللغويّ (الأخطاء النحوية، والصرفية، والإملائية).

وأحدث هذه المُؤلّفات في هذا المضمار كتابُ الدكتورة سلوى حماده (المعالجة الآلية للغة العربية-المشاكل والحلول)، الذي صدر سنة 2009م. ويتعرض الكتاب لمشاكل عديدة أهمها مشكلة حوسبة المعجم اللغوي بصفة عامة والعربي بصفة خاصة؛ إذ يعالج كيفية عمل “معجم عصر المعلوماتية” فيعرض المشاكل وحلولها, كما يرسم الكتاب منهجية لكيفية إثراء المعجم العربي بعمل معاجم فرعية تعمل معا بالتنسيق الحاسوبي فيما بينها.

ثانياً: المشاريع:

     بُذلت الكثير من المحاولات الجادَّة في مُعالجة اللغة العربية آليّاً، إلاّ أنَّ هذه الجهود يعوزها التنظيم والتنسيق على المستوى العربيّ، فقد سجلت نادية حامد حجازي، وعبد الفتاح الشرقاوي أوَّل محاولة لتصميمِ مُحلل قاموسيّ للّغة العربية، يستطيع أن يغطي كل مفردات اللغة.

وبعد أربعة عشر عاماً تقريباً من ظهور الحاسوب، اقتنى معهد التخطيط القومي في مصر حاسوباً إلكترونياً. وقد اقتصر الأمر في البداية -فيما يخص التعريب- على طباعة الكتابة العربية، وذلك بإحلال الحروف العربية محل الحروف الإنجليزية.

وقد شهدت المرحلة من عام (1973م حتى 1985م) سلسلة من التطبيقات المهمة، تمثلت في عدة محاولات لتوليد الكلام العربي آلياً، بالإضافة إلى محاولات جزئية لتطوير محللات ذات إمكانات محدودة. وحدثت النقلة النوعية الثانية في منتصف عام 1985م. وجاءت هذه المرة على مستوى الكلمة، بعد أن كانت النقلة النوعية الأولى على مستوى الحرف، وذلك بنجاح إدارة البحوث والتطوير في شركة “العالمية” للبرامج بتطوير أول معالج (محلل) صرفي متكامل متعدد الأطوار[5]. وبدأت بذلك مرحلة جادة لمعالجة الصرف العربي آلياً[6].

نجح بعد ذلك كلٌ من مروان البوّاب ويحيى مير العلم ومحمد حسان الطيّان، في تصميم نظامٍ صرفيّ نحويّ للعربيّة بالحاسوب، واضطلع الدكتور نبيل علي بجهود كبيرة، ومُتميّزة في الدخول إلى أغوار اللسانيات الحاسوبية وتوظيفها لحوسبة اللغة العربية، وتمثيل تطبيقاتها.

وقد أسهمت المؤتمرات العلمية المعنية بمُعالجة العربية آليّاً، في حثّ الجهود العربية واستنهاضها، لجعل العربيّة لغة العلم والتقنية والتكنولوجيا، وقد توفرتْ على تنظيم هذه المؤتمرات هيئات علميّة تنتمي إلى بعض البلدان العربية، تتصدّرها: سورية، والمغرب، والأردن، والجزائر، وتونس، والكويت والسعودية.

[1] شحادة، أحمد أنيس، توصيف نحْوي للأفعال الواردة في شعر محمود درويش في ضوْء اللسانيات الحاسوبية، ص12-13.

[2] العناتي، وليد، والجبر، خالد، دليل الباحث إلى اللسانيات الحاسوبية العربية، ص141.

[3] الموسى، نهاد، العربية نحو توصيف جديد في ضوْء اللسانيات الحاسوبية، ص45.

[4] المرجع السابق، ص288.

[5] متعدد الأطوار: أي قادر على التعامل مع الأطوار المختلفة للكتابة العربية (المشكولة كلياً، أو جزئياً، وغير المشكولة)

[6] يُنظر: علي، نبيل، اللغة العربية والحاسوب، ص179-181.

0 Reviews

Write a Review

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى