مقالات في اللسانيات

صناعة المعجم وعلم المصطلح

د. عبدالعزيز بن عبدالله المهيوبي

علم المصطلح هو علم يبحث في العلاقة بين المفهومات العلمية والمصطلحات اللغوية التي تعبر عنها، ويجري الحديث ضمن هذا العلم عن ( وضع المصطلحات) بمعنى الفعاليات المتصلة بجمع المصطلحات وإعدادها وتحليلها وتنسيقها ومعرفة مرادفاتها وتعريفاتها باللغة ذاتها أو مقابلاتها بلغة أخرى، وكذلك جمع المفاهيم الخاصة بحقل معين من حقول المعرفة، ودراسة العلاقة بين هذه المفاهيم، ثم وصف الاستعمال الموجود فعلاً للتعبير عن المفهوم بمصطلح ما، أو تخصيص مصطلح معين للمفهوم الواحد”[1].

وتشترك معالجة علم المصطلح[2] وعلم المعجم[3] بالسمات النظرية نفسها من استرداد المفردات وتحليلها وبنائها، وخزنها للغات الحديثة. وتتطابق العلوم التطبيقية للمصطلحية[4] وصناعة المعجم[5] ، في توزيع المفردات بشكل مطبوع أو بيانات لغوية إلكترونية. وهكذا ينظم علم المصطلح وتطبيقاته صناعة المعجم. فعلم المصطلح أكثر شباباً في تنظيمه من علم المعجم وصناعته، الذي تطور من التطبيقات التقليدية لعلم المعجم وصناعة المعجم.

معجمات المصطلحات المتخصصة

أصبحت قضية المصطلح العلمي من أهم قضايا تنمية اللغة العربية للوفاء بمتطلبات الحياة المعاصرة، وذلك في ضوء مجموعة من المتغيرات، أهمها كثرة الإنتاج المعاصر في المجالات العلمية والتقنية وتعدد التخصصات المعنية، وضرورة التعبير باللغة العربية عن ذلك الفيض من المصطلحات العلمية والتقنية التي وضعت أساساً في اللغات الأوروبية والتي تتطلب إيجاد المقابل المناسب في العربية.

المعجمات المتخصصة هي التي تعالج شريحة بعينها من النشاط الإنساني، علمياً كان أو أدبياً أو فلسفياً أو غيرها، وتهتم بحصر مصطلحات علم بعينه أو فن بذاته، وتتناول كل مصطلح بحسب استخدام المتخصصين فيه. وقد عرف العرب هذا النوع من المعجمات بأشكال مختلفة عبر التاريخ. فيمكن عدّ المعجمات المتخصصة تطوراً لمعجمات المعاني أو معجمات الموضوعات، التي تعدّ من أقدم أشكال المعجمات التي عرفتها الشعوب، إذ عرفها العرب من خلال الرسائل والوريقات التي جمعت الألفاظ المختصة من ذلك رسائل عديدة للأصمعي، في الإبل، والشاء، والخيل، والوحوش، والنبات والشجر، وغيرها.

أما في العصر الحديث فبدأت قضية المصطلح العلمي العربي تعرض لأول مرة في إطار حركة الترجمة والتأليف في الربع الثاني من القرن التاسع عشر[6]. وازداد شيوع المعجمات المتخصصة بعد انتشار دراسات علم اللغة الاجتماعي، التي ركّزت على تصنيف اللغات وفق فئات متنوعة، من اجتماعية وعلمية ومهنية، وغيرها. وتتالت المعجمات المصطلحية من أحادية، وثنائية، ومتعددة اللغات، من مختلف الاختصاصات في الجيولوجية، وفي الجغرافية، والطب، والفلك، والعلوم السلكية واللاسلكية، والفيزياء، والكيمياء، وعلوم الحاسبات، وغيرها من مختلف المجالات ومن مختلف الجهات، سواء أكانت صادرة من أفراد أم من هيئات ومؤسسات مختلفة، رسمية أو غير رسمية[7]. وتعددت المؤسسات المعنية بوضع المصطلحات في العالم العربي، واختلفت توجهاتها، منها: مؤسسات ذات أهداف لغوية، ومؤسسات ذات أهداف علمية أو تقنية أو ثقافية، ومؤسسات ذات أهداف تجارية.

لقد وضع بعض العلماء العرب والمجامع اللغوية المتعددة، منذ مطلع النهضة العربية الحديثة، منهجيات مختلفة في المصطلحية. وقد اختلفت طرائق وضع المصطلحات وأولويات ترتيبها، باختلاف المناهج التي تبنوها. فيلاحظ أن هناك إجماعاً بين اللغويين على الاستعانة بالترجمة فالمجاز فالاشتقاق

يأخذ بعض الدارسين على العاملين في مختلف البلاد العربية أنهم ما يزالون منذ القرن الماضي يبذلون جهودهم في مجال تنظيم طرائق في وضع المصطلحات وتطويرها، لكن من دون خطة مرسومة ولا طريقة محددة ولا منهاج معلوم بل كل يعمل على شاكلته وفي عزلته ليسدّ بعض ما يواجهه من فراغ[8].

ثمة مشكلات وظيفية تتعلق بمدى مراعاة مستوى مستعملي المعجم، فالمتلقي قد يكون متخصصاً في مجال ما، أو طالباً مبتدئاً، أو مترجماً، فكل شريحة تحتاج إلى طريقة في الشرح تتناسب ومستوى تعليمها أو ثقافتها، فهل من الممكن اعتماد طريقة في الشرح تتناسب مع أكبر شريحة ممكنة من المتلقين؟

كما يلاحظ أنه مع تنوع هذه المعجمات والمسارد المصطلحية، إلا أنها مازالت فقيرة في موادها على الصعيدين الكمي والكيفي، مقارنة بما يحصل في العالم من التطورات السريعة والهائلة من مختلف المجالات العلمية والتقنية والحضارية وغيرها.

بالإضافة إلى المشكلات الوظيفية ثمة مشكلات تتعلق بترتيب المصطلحات في المعجمات التخصصية المتعددة اللغات، إذ يعرض هنا تساؤل في طريقة تحديد المدخل المعجمي في متن المعجم، هل يكون بجعل المدخل المعجمي مصطلحاً أجنبياً يتبعه المقابل العربي، أم العكس، بأن يكون المصطلح العربي هو المدخل المعجمي ثم يردفه المصطلح الأجنبي، وفي نهاية المعجم يوضع مسرد، ترتب فيه المصطلحات ترتيباً مخالفاً لترتيبها في المتن[9]؟

المعجمات المتخصصة في ضوء المناهج المصطلحية

ونحن هنا نعرض بعض التساؤلات، ما هو المنهج المناسب في شرح المصطلحات في هذه المعجمات؟ أيصلح المنهج التاريخي من خلال الإتيان بجميع مصطلحات علم ما، قديمها وحديثها، ويعمد في الشرح إلى رصد أهم التطورات والانعطافات التي حصلت في تاريخ كلّ مصطلح أو مفهوم؟ أم يُعمد إلى المنهج الوصفي، بالاكتفاء بإيراد المصطلحات الحديثة فحسب، أو على مصطلحات معينة لأهميتها أو شيوعها أو حداثتها، وفي الشرح يرصد أبرز أسسها أو أهم مبادئها الرئيسية؟ أم باعتماد المنهج الوظيفي بمراعاة مستويات المستعملين وخصائصهم، وبما يخدم أيديولوجيا ما ؟ أو بتسجيل جميع المصطلحات المتخصصة المتنوعة من النواحي الإقليمية والاجتماعية والرسمية، مع وصف مستوى أو درجة استعمال المصطلح، ما قد يؤدي إلى زيادة المترادفات، أم يُكتفى بمصطلح تقره جهة أو مؤسسة ما، وهذا الشكل قد يعدّه بعضهم نوعاً من المعيارية؟

[1] – القاسمي، علي. (علم المصطلح) النظرية العامة لوضع المصطلحات وتوحيدها وتوثيقها، اللسان العربي، 1980، المجلد 18، ج1، ص 9-12. [2] Terminology [3] Lexicology [4] Terminography [5] Lexicography [6] – ظهرت أسماء كثيرة أسهمت في إحياء الحركة المصطلحية، منهم بطرس البستاني صاحب ” محيط المحيط” و” دائرة المعارف” اللذين اشتملا على عدد كبير من الألفاظ العلمية العربية. وهناك إسهامات أحمد فارس الشدياق وإبراهيم اليازجي وبشارة زلزل ويعقوب صروف في  مجلة ” المقتطف”. و في مصر هناك جهود رفاعة الطهطاوي (1801-1872) وأحمد تيمور وأحمد عيسى ومحمود تيمور. وفي العراق رضا الشبيبي وأنستاس الكرملي ( 1866- 1947) ومعروف الرصافي (1877- 1945). وفي فلسطين خليل السكاكيني وغيرهم من الكتاب والعلماء والمترجمين. [7] – للتفاصيل ينظر: حجازي، محمود فهمي. اللغة العربية في العصر الحديث، ص 37. والزركان، محمد علي. الجهود اللغوية في المصطلح العلمي الحديث، في مواقع متفرقة. [8] – ابن عبد الله، عبد العزيز. التعريب ومستقبل اللغة العربية، ص 35-36. [9] – ينظر: زفنكي، صافية. مشكلات المجرد والمزيد في المعجم العربي، مجلة المنهل، عدد(595)، ص114، وما يليها.

0 Reviews

Write a Review

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى