مقالات في اللسانيات الحاسوبية

الفرق بين وصف قواعد اللغة العربية وتوصيفها

د. عبدالعزيز بن عبدالله المهيوبي

تحتاج اللسانيات الحاسوبية إلى توصيف دقيق وشامل لقواعد توليد اللغات الطبيعية وتحليلها؛ “بقصد إكساب الحاسوب بديلاً ملائماً متكاملاً عن الحدس البَشَري[1]”. وتبدأ عملية التوصيف بإيداع الحاسوب القواعد، والأساسيات الابتدائية التي يختزلها العقل الإنساني، بهدف الوصول إلى الكفاية اللغوية، “ويكون ذلك عن طريق عرض منهجي قادر على استقراء القواعد، وتفصيلها وفقاً لمستويات اللغة المتفاوتة، الصوتي والصرفي والنحوي والدلالي[2]” فعند توصيف اشتقاق جموع التكسير من مفرداتها -مثلا-، ينبغي علينا توصيف المفرد ثلاثياً أو رباعياً أو خماسياً، اسماً أو صفة، صحيحاً أو معتلاً.
وعلى الرغم ممّا قدمه علماء اللغة القدماء من محاولات لضبط مفردات اللغة العربية، وبناء قواعد لاشتقاقها، فإنَّ ما قاموا به لا يكفي لبناء نظام حاسوبي مطَّرد؛ “فالحاسوب آلة تتطلب توصيفاً دقيقاً متكاملاً لجزئيات اللغة، مما يستوجب الكشف عن دقائق بنية اللغة، والإحاطة التامة بمفرداتها، وهنا يظهر البون بين الوصف التقليدي للغة عند القدماء، والتوصيف الدقيق الذي تتطلبه حاجات حوسبة اللغة حديثاً[3]”.
يعتمد توصيف الحاسوبيين لقواعد اللغات الطبيعية على وصف اللغويين القدماء دون أن يقف الحاسوبيون عند حدود ذلك الوصف، والفرق بينهما أنَّ اللغويين اكتفوا عند تقديم اللغة الطبيعية للإنسان بالوصف، وتركوا ملكة الحدس التي يتمتع بها العقل الإنساني تقرِّرُ، وتقيس، وتستنبط. “أمّا تقديم اللغة للحاسوب فلا يكتفي بالوصف، بل يقتضي التوصيف؛ ليعوض الحاسوب عن عنصر الحدس الذي ينفرد به الإنسان[4]”. ويقتضي توصيف اللغة للحاسوب الأخذ بمبدأ اعتماد كل مستوى لغوي على الآخر (الصوتي والصرفي والتركيبي والمعجمي)، و”يضاعف الحاجة إلى الأخذ بمبدأ الاعتماد المتبادل بين المستويات اللغوية، أنَّ العربية في معظم نصوصها المتداولة، والمعاصرة غير مشكولة، ولذلك تنحسر إمكانات الكشف عن حقائقها الذاتية على كل مستوى وحده، ويصبح الاستدلال على حقيقة كل مستوى لغوي معتمداً على حقائق سائر المستويات”[5].
يهتم توصيف قواعد اللغة بتلك العناصر التي يدركها ابن اللغة بحدسه وسليقته، وبالقرائن اللغوية والمعنوية. “وقد سيطرت قضية الحدس على كثير من جوانب إنتاج اللغة، وانعكس ذلك على فكر كثير من اللغويين عند معالجتهم للغات الطبيعية، إذ ظنوا أنَّه ليس ممكنا عقد نظرية لغوية دون الاعتماد على حدس الإنسان، الأمر الذي أدى إلى عدم تقدم الدرس اللغوي، لذا بادر روّاد المدرسة التوليدية التحويلية إلى إقصاء الحدس نهائياً من الدرس اللغوي، وركّزوا على القواعد المقننة أساساً لبث الحيوية في الدرس اللغوي، كما عملوا على إرساء خطوات للدرس تبدأ بصوغ النظرية، ثمَّ تفسيرها، ثمَّ دراسة الشاذ عنها، ثمَّ فحصها، والخلوص إلى تثبيتها[6]”.
“إنَّ قياس النجاح في برنامج حاسوبي مرتهن بدقة التعامل مع المواد اللغوية، وشموليتها؛ باستخدام قوانين تضبط المخرجات، وتُحيّد الحدس تماماً، ويقتضي الأمر استخدام كل قانون بطريقة الخطوات الإجرائية، بعيداً عن ضرب الأمثلة للاستدلال بها. فبتحويل القواعد اللغوية إلى قوانين، وعبارات إجرائية يمكننا أن نمنح الحاسوب القدرة على توليد اللغات الطبيعية، ونقصد بالعبارات الإجرائية، قوانين وأنظمة تحقق مخرجات مقبولة لغويا، دون تدخل العقل البشري، وعليه فهي تتطلب عدداً من الخطوات الدقيقة التي تُنفّذ تباعاً[7]”.

[1] نهاد الموسى، العربية نحو توصيف جديد في ضوء اللسانيات الحاسوبية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1، 2001م، ص67.
[2] أحلام عامر شريف الزبن، توصيف النحو العربي في ضوء اللسانيات الحاسوبية ” الفعل الماضي نموذجاً” رسالة ماجستير، الجامعة الهاشمية، الزرقاء، الأردن، 2008م، ص15.
[3] المرجع نفسه ، ص18.
[4] نهاد الموسى، العربية نحو توصيف جديد في ضوء اللسانيات الحاسوبية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1، 2001م ، ص20.
[5] المرجع نفسه، ص93.
[6] يُنظر: مازن الوعر، قضايا أساسية في علم اللسانيات الحديث، دار طلاس للدراسات والترجمة، سوريا، 1988م، ص116.
[7] صفا شريف الشريدة، برمجة أسماء الفاعلين والمفعولين حاسوبياً، رسالة دكتوراه، كلية الآداب – جامعة اليرموك، 2009م، ص9.

0 Reviews

Write a Review

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى