بحوث في اللسانيات الحاسوبية

أهمية فك لبس دلالة الكلمات في الفهم الآلي للمعنى

د. عبدالعزيز بن عبدالله المهيوبي

مستخلص الدراسة:

تسعى هذه الدراسة إلى بيان أهمية فك اللبس الدلالي للكلمات، في الفهم الآلي للمعنى عندما نحوسب اللغة العربية، فهو الأصل الذي يُعتمد عليه في تطوير تطبيقات وأدوات حاسوبية للغة العربية تجعلها مواكبة للتطور التقني المتسارع، بهدف محاكاة التفكير الإنساني في تحليل النصوص المكتوبة، والترجمة الآلية من اللغات الأخرى إلى اللغة العربية، والتدقيق الإملائي والنحوي، والتشكيل الآلي للنصوص.

وقد قدَّم الباحث مجموعة من المقترحات التي تخدم حوسبة المستوى الدلالي في اللغة العربية، وخلصت الدراسة إلى أنَّ سبب صعوبة الفهم الآلي للمعنى، هو أنَّ النصوص المكتوبة تفتقد إلى الكثير من القرائن اللغوية وغير اللغوية التي يمكن أن تعين الآلة على الفهم والتحليل. وستزداد تلك الصعوبة إلى أن نتمكن من الوصول إلى طريقة لتمثيل تلك القرائن التي تحتاجها الدلالة حاسوبيًا من خلال توسيم النصوص المكتوبة صرفيًا، ونحويًا، ودلاليًا. فالمعنى هو الأساس الذي يعتمد عليه في أية دراسة لغوية، فيُفترض في أي إجراء لغوي أن يهدف إلى فهم المعنى وكشفه، إذ أنه الأصل في أي اتِّصال لغوي.

الكلمات المفتاحية: اللبس الدلالي، التعدد الدلالي، غموض المعنى، أمن اللبس.

Abstract:

This study seeks to demonstrate the importance of deciphering the semantic confusion of words in the automatic understanding of the meaning when we compute the Arabic language.


It is the reliable asset in developing computer applications and tools for the Arabic language which aims to simulate human thinking in analyzing written texts, machine translation from other languages into Arabic, checking spelling and grammar, and automatic text configuration.

       The researcher presented a set of proposals that serve to compute the semantic level in the Arabic language.

 The study concluded that the reason for the difficulty of machine understanding of meaning is that written texts lack many linguistic and non-linguistic clues that can help the machine to understand and analyze.

 This difficulty will increase until we can find a method for computing the needed clues, by marking the written texts morphologically, grammatically and semantically. Meaning is the basis on which any linguistic study depends.

 Any linguistic procedure is supposed to aim to understand and reveal the meaning, as it is the origin of any linguistic communication.

المقدمة:

معنى الكلمة هو أدق جزءٍ من أجزائها، فمتحدثو اللغة لا يختلفون – عادة – حول نطق الكلمة، ولا حول كتابتها، ولا حول توزيعها النحوي، بل حول معناها. والكلمات اللغوية مثلها كمثل الكائنات الحية؛ لا معنى لها إلا من خلال دخولها في سياق مجتمعها اللغوي؛ فهي تتعانق فيما بينها منسجمة متناغمة؛ فتسري أرواح معانيها في جنبات تراكيبها اللغوية، وتنشأ بذلك النشأة اللغوية التي تبعث الحياة في الكلمات. إنَّ الكلمات بمثابة أعضاء الجسد الواحد، لا يمكن لأيِّ عضو أن يحيى حياة طبيعية طيبة إلا بتلك الروح التي نُفخت في جنبات ذلك الجسد؛ فكذلك الكلمات لا تعيش ولا تحيا دونما هذه الروح العامة التي نعني بها المعاني، والتي تتلبس بهذا الحدث اللفظي الذي نُسمِّيه الكلام. (بن علي وليلى، 2018م، ص37)

لقد شغَلَت قضية الدلالة بال علماء اللغة العربية القدامى، وسيطرت على معظم جهودهم العلمية، فكانت مدار الاهتمام، ومصب العناية والتركيز، ومحط النظر والتأمل، بل إن المسار العلمي لموضوعات اللغة والبلاغة والنحو على طول امتداده يكاد يُبنى كلِّيًا على أساس النظرة الدلالية. وقد كانت عناية العرب بالمعاني أقوى من عنايتهم بالألفاظ؛ فوضع أبو الأسود الدؤلي النقط على الحروف بدافع دلالي لإزالة اللبس، وصولا لكشف المدلولات، ومعرفة المراد، ثم ألَّف الخليل بن أحمد معجمه (العين) إدراكًا منه بأهمية المعنى. بل ذهب بعض المعجميين إلى تصنيف معاجم للموضوعات، تدور حول موضوع واحد، كالغريب المصنف لأبي عبيدة، والمخصص لابن سيده (اعبد العظيم، 2014م، ص49-51)

يحتل المستوى الدلالي ضمن المعالجة الآلية للغة العربية مكانة كبيرة، فلا يمكن أن تُعالَج نصوص اللغة العربية معالجة عميقة دون ضوابط وأنظمة تُمّكِّن الحاسوب من التعرف على دلالات كلمات تلك النصوص، ولا يمكن بناء تطبيقات حاسوبية للترجمة الآلية دون فهم دقيق لمعاني الكلمات متعددة الدلالة، والتعبيرات المسكوكة، والاستعمالات المجازية، وقضايا التطابق بين مكونات الجمل. ودون بناء قواعد معلومات ضخمة تضبط الدلالات الدقيقة لبعض الألفاظ والتعبيرات الاصطلاحية.

إن أية لغة تحتوي إيماءات ودلالات تؤخَذُ من سياق الجملة، ومن نسق لفظ المتكلم، ومن موضوع النص، ولا تدل عليها الكلمات إن عُولجت كلمةً كلمة بشكل منفصل، وبمعزل عن السياق العام. وتُعدُّ اللغة العربية من أغنى اللغات الطبيعية في ذلك. إن تطوير تطبيقات آلية لفهم المعاني العميقة يُعدُّ خطوة متقدمة جدًا في حقل حوسبة المستوى الدلالي من اللغة، وتحتاج هذه الخطوة إلى أبحاث معمَّقة كثيرة.

تحتاج المعالجة الدلالية الآلية للغة العربية مقدارًا كبيرًا من المعلومات عن مختلف جوانب اللغة. وهذه المعلومات يجب أن تكون مرتبة ومبوبة بنسق معين. وليس هناك أفضل في ترتيب هذه المعلومات من قواعد البيانات. وهذه المعلومات تشمل المعلومات عن الألفاظ، وما تحوي من دلالات مختلفة، وصرف، وما يجوز أن تستعمل معه الكلمة، وما لا يجوز والكلمات المقاربة والمضادة، وكل ما يوصل إلى دقة دلالة الكلمة من وسائل. (خضر، 2004م، ص2)

أهمية الدراسة:

تحتل الدلالة أهمية كبيرة في المعالجة الآلية للغة العربية، فلا يمكن أن نعالج النصوص العربية المكتوبة معالجة آلية عميقة دون معلومات كافية عن دلالة الألفاظ المكونة لتلك النصوص، فالمعالجة الدلالية الآلية للغة العربية تحتاج قدرًا كبيرًا من المعلومات عن مختلف جوانب اللغة، وهذه المعلومات تشمل المعلومات عن الألفاظ، وما تضم من دلالات مختلفة، وما يجوز أن تستعمل معه الكلمة، وما لا يجوز، والكلمات المقاربة والمضادة…إلخ.

كما تُعَدُّ معالجة المعنى آليًا مطلبًا مهمًا لحوسبة تحليل النصوص المكتوبة. فنجاحنا في ميكنة نظم تحليل نصوص اللغة العربية، يتوقف بالدرجة الأولى على ما نستطيع أن نحقق في المستوى الدلالي، “إذ يمثل المعنى مشكلة كبرى بالنسبة لتلك النظم؛ فتعدد المعنى للكلمة الواحدة، ودور السياق في تحديد دلالة الكلمة، واختلاف الدلالة باختلاف الثقافات واللغات واللهجات، كل ذلك يجعل المعالجة الآلية للدلالة تنطوي على عقبات يصعب بسببها تمثيل هذا المستوى أو توصيفه حاسوبيًا” (أبو شوشة، 2015م، ص أ)

– تكتسب هذه الدراسة أهميتها كونها تتناول موضوعًا حيويًا يهم القائمين بمعالجة اللغات الطبيعية، وتطوير نظم آلية تحاكي كفاية ابن اللغة في استقبال اللغة وفهمها وتفسيرها.

– يمكننا الإفادة من هذه الدراسة في جوانب عدة تفيد اللغويين والباحثين في حوسبة اللغة العربية؛ حيث يتطلّع الباحث في أن تكون – بمشيئة الله – إضافة جديدة للدراسات اللغوية الحاسوبية العربية المتعلقة بدراسة المستوى الدلالي.

– تتصف اللغة العربية بخصائص تنفرد بها تجعلها دون غيرها من اللغات الطبيعية أكثر قابلية للمعالجة الآلية، فالاطّراد في القوانين الصوتية، والقواعد الصرفية، والنحوية واضح، خلافاً لما عليه كثير من اللغات الأخرى.

– تهتم هذه الدراسة بالمستوى الدلالي نظير دوره الكبير في إيضاح المعنى الدقيق للجملة، وإعطائها القيمة المعرفية، لنتمكن من فهمها عن طريق تحليل معاني كلماتها، والكشف عن العلاقات الدلالية بينها.

أسباب اختيار الموضوع:

وقد توافرت جملة وجيهة من الأسباب دفعت الباحث لاختيار هذا الموضوع، منها:

– محاولة تقديم حلول لمواجهة مشكلة اللبس الدلالي الآلي عند معالجة نصوص اللغة العربية بسبب تعدد دلالات الألفاظ.

– قصور الدراسات اللغوية في مجال حوسبة اللغة العربية، وخصوصًا ما يتعلق بمعالجة المستوى الدلالي.

– الدفع باللغة العربية إلى مصاف اللغات العالمية في الحوار مع الآلة، لتأخذ مكانتها اللائقة بها لغةً عالمية في ميدان الحوسبة.

أسئلة الدراسة:

تسعى الدراسة إلى الإجابة عن الأسئلة التالية:

– ما مدى أهمية الفهم الآلي للمعنى في المعالجة الآلية للغة العربية؟

– ما الأثر السلبي لظاهرة اللبس الدلالي عند تحليل نصوص اللغة العربية المكتوبة آليًا؟

– ما هي أهم الإشكاليات التي تواجه حوسبة المستوى الدلالي في اللغة العربية، وما هي متطلبات الفهم الآلي لمعنى النصوص العربية المكتوبة؟

أهداف الدراسة:

تهدف هذه الدراسة إلى:

1- بيان أهمية فك لبس دلالة الكلمات، وفهم المعنى في المعالجة الآلية للغة العربية.

2- دراسة الأثر السلبي لظاهرة اللبس الدلالي عند تحليل نصوص اللغة العربية المكتوبة آليًا.

3- الوقوف على أهم الإشكاليات التي تواجه حوسبة المستوى الدلالي في اللغة العربية من خلال دراسة بعض الكلمات التي تدل على أكثر من معنى. ووضع أسس علمية لمعالجة المستوى الدلالي حاسوبيًا، اعتمادًا على المكتسبات المنهجية التي نتجت عن اللسانيات الحديثة.

 مصطلحات الدراسة:

التعدد الدلالي: هو “كل ما له علاقة بكون الدال الواحد يحمل أكثر من مدلول واحد، أو كون المدلول الواحد يتجاذبه أكثر من دالٍّ واحدٍ. (أبولاجي، 2012م، ص68)

اللبس الدلالي: هو التعدد الحاصل في دلالة الجملة بسبب عدم تمثيل الجملة للقرائن الدلالية الكافية تمثيلا تركيبيًا يحدد الدلالة المناسبة لها، سواء كان ذلك بقصد من منشئ الجملة أو بدون قصد. (البسومي، 2015م، ص346)

واللبس اللغوي نوعان:

لبس حقيقي: وذلك عندما يكون للوحدات اللغوية نفس التشكيل في اللغات المكتوبة، ونفس النطق في اللغات المنطوقة، وهو الناتج عن التعدد الدلالي.

لبس صناعي: ويكون عندما يغيب التشكيل في اللغات المكتوبة الذي يُمثِّل جزءًا مهمًا من أجزاء الكلام أو سقوط صوت أو زيادة صوت أو تغيير صوت في وحدة دلالية ممّا يجعلها تتطابق مع وحدة أخرى في الشكل. (حمادة، 2009م، ص 152)

الدراسات السابقة:

لقد حاول الباحث في دراسته بيان أهمية فهم المعنى في المعالجة الآلية للغة العربية من خلال دراسة الأثر السلبي لظاهرة اللبس الدلالي عند تحليل نصوص اللغة العربية المكتوبة آليًا، والوقوف على أهم الإشكاليات التي تواجه حوسبة المستوى الدلالي من خلال دراسة بعض الكلمات التي تدل على أكثر من معنى.

وقد دارت عدة دراسات حول حوسبة اللغة العربية، غير أن حوسبة المستوى الدلالي سيبقى التحدي الأكبر (حاليًا) في وجه معالجة اللغة العربية، فهو من أصعب الأنظمة اللغوية، فأبدى تَمَنُّعًا إزاء معالجته آليًا، وذلك عائد إلى أن الدلالة من أقل المستويات اللغوية فيما يخص التباين اللغوي، غير أن هذا لا يعني أن الباحثين قد أغفلوا دراسة الدلالة، ومن تلك البحوث:

– دراسة هاجر بنت عبد الرحمن القبيشي، 2019م، رسالة ماجستير، جامعة الإمام بن محمد بن سعود الإسلامية:

تناولت الباحثة موضوع فك اللبس الصرفي في جموع القلة حاسوبيًّا؛ من خلال بناء خوارزمية حاسوبية تُسهم في التقليل من اللبس الصرفي. ومن أبرز المشكلات التي سعت الدراسة إلى حلها: مشكلة وسم الكلمة بجنسها الصحيح، ومشكلة الوسم بالعدد، ومشكلة استخراج أصول كلمات الوزن السماعي (فِعْلة). وبعد دراستها وتحليلها، وضعت الباحثة مجموعة من القواعد اللغوية التي بُنيت على أساسها الخوارزمية الحاسوبية. واعتمدت الباحثة المنهج الوصفي الإحصائي. وتوصلت في نهاية الدراسة إلى بناء خوارزمية مُحكًّمة لغويًّا وحاسوبيًّا تُسهم في علاج اللبس الصرفي حاسوبيًّا في جموع القلة.

– دراسة حسين محمد علي البسومي 2015م، مجلة جامعة المدينة العالمية، العدد 12:

طرح الباحث منهجًا جديدًا لفك اللبس الدلالي في المعالجة الآلية للغة العربية بواسطة منهج العلاقات الدلالية متمثلة في صورة شبكية يمكن للحاسوب قراءتها. وقد سعى إلى تقريب المعلومات اللغوية للحاسوب بحيث يستطيع أن يقارب فهم العقل البشري لدلالة الجملة العربية، بدءًا بتحديد مفاهيم الكلمة ودلالتها، ثم رصد خصائصها الصرفية، ثم تقديم تصور عن طبيعة العلاقات الدلالية والمنطقية انتهاءً إلى تقديم مقترح يصف نظام الجملة العربية المكتوبة على نحو يوافق منهج الحاسوب في تعامله مع اللغة.

واعتمد الباحث المنهج الوصفي التحليلي في دراسته على منهج العلاقات الدلالية. وانتهى في نتائجه إلى قدرة العلاقات الدلالية على التعبير عن دلالة الكلمات، وعلى تمثيلها تمثيلًا رمزيًّا يمكن للحاسوب فهمه. وتوصل إلى أنَّ قدرة الشبكة الدلالية تتوقف في تمثيل المعرفة للحاسوب على مدى استيعابها لجميع المفاهيم والعلاقات الدلالية، والفقر فيهما يعني ضعفًا في الفهم الحاسوبي للغة، ومن ثم اضطرابًا في مخرجات التطبيقات الحاسوبية المبنية عليها.

– دراسة عبد الحليم محمود أحمد أبو شوشة 2015م، رسالة دكتوراه، جامعة عين شمس، قسم اللغة العربية:

ناقش الباحث ظاهرة التعدد الدلالي ساعيًا إلى بيان أثرها في بناء المعجم الآلي، والتحليل الآلي للنصوص، والترجمة الآلية من خلال نماذج تطبيقية، تعتمد على فحص بعض المفردات التي تتعدد دلالتها من خلال تتبع ألفاظ العينة في عدد من المعاجم والمدونات، محاولًا الكشف عن آثار هذه الظاهرة في المعالجة الآلية سلبية كانت أو إيجابية؛ إذ يمكن الاستفادة من الأثر الإيجابي لهذه الظاهرة، والعمل على إيجاد الحلول لمعالجة الأثر السلبي؛ لتحسين مستوى المعالجة الآلية للغة العربية على مختلف مستوياتها.

وقد اعتمد الباحث على المنهج الوصفي التحليلي مع عدم إغفال مناهج البحث الأخرى إن تطلب الأمر. وانتهى إلى مجموعة من النتائج منها: أنَّ غياب التشكيل – غالبًا- عن النصّ العربي المعاصر أدى إلى زيادة اللبس. وأنَّ دراسة ظاهرة التعدد الدلالي تُمثِّلُ إضافة مؤثرة إلى مجال المعالجة الآلية للغة العربية.

  الإطار النظري:

مفهوم الدلالة:

الدلالة لغة: من الفعل: دَلَلْتُ، يَدُلّ، ادْلُلْ/ دُلَّ، دَلالةً ودِلالةً، فهو دَالّ ودليل، والمفعول مَدْلول، دلَّ الشَّخصَ إلى الشَّيءِ / دلَّ الشَّخصَ على الشَّيءِ: أرشده وهداه إليه، قاده، عيَّن له المكانَ. (عمر، 2008م، ص 762) وهذا الإرشاد، قد يصحبه قصد من الدالّ، وقد لا يصحبه قصد منه، يقول الراغب الأصفهاني (ت502هـ): “والدلالة ما يُتوصَّلُ به إلى معرفة الشيء؛ كدلالة الألفاظ على المعنى، ودلالة الإشارات والرموز والكتابة والعقود في الحساب، وسواء كان ذلك بقصد ممن يجعله دلالة أو لم يكن بقصد…، أصل الدلالة مصدر كالكناية والأمارة”. (دت، ص228)

الدلالة اصطلاحًا: “هي كون الشيء بحاله يلزم من العلم به العلم بشيء آخر؛ والشيء الأول هو الدال، والثاني المدلول…، والدلالة اللفظية هي كون اللفظ بحيث متى أطلق أو تُخيل فُهم منه معناه للعلم بوضعه.” (الجرجاني، 2003م، ص108) وعرفها الأصفهاني بأنها “عبارة عن كون اللفظ بحيث إذا سُمِع أو تُخُيِّل لاحظت النفس معناه” (2004م، ص1-120)

علم الدلالة:

يعرفه أحمد مختار عمر بأنَّه “العلم الذي يدرس المعنى، أو ذلك الفرع الذي يدرس الشروط الواجب توافرها في الرمز ليكون قادرًا على حمل المعنى”. (1998م، ص11) وهو العلم الذي “يدرس العلاقة بين الرمز اللغوي ومعناه، ويدرس تطور معاني الكلمات تاريخيًا، وتنوع المعاني، والمجاز اللغوي، والعلاقات بين كلمات اللغة”. (حيدر، 2005م، ص14)

إنَّ الموضوع الأساسي لعلم الدلالة هو دراسة المعنى وما يتعلق به؛ إذ يسعى العلماء إلى الكشف عن طبيعة المعنى من حيث تشكّله ونسقيته، والمكونات التي قد تسهم في تغذيته انطلاقًا من المعطيات الثقافية والنفسية والاجتماعية التي تؤطره. وقد اجتهد العلماء في ذلك؛ فقدموا نظريات متنوعة، تشرحه وفق منطلقاتٍ تنظيرية ومنهجية متنوعة. (يامنة، 2020م، ص157)

غموض دلالة الكلمة وغموض المعنى:

ينبغي أن نفرق ابتداءً بين غموض دلالة الكلمة، وغموض معنى الكلمة أو الجملة؛ فغموض الدلالة لكلمة ما، يعني عدم قدرتنا على تحديد السمات الدلالية لتلك الكلمة تحديدًا دقيقًا. أما غموض المعنى فيعني أن يكون للكلمة الواحدة أو الجملة الواحدة معنيان مختلفان، أو أكثر من معنى؛ فكلمة (قَدَم) هي عضو في الجسم، ووحدة في الطول، و(عين) تكون للباصرة، والجاسوس، وعين الإبرة، وعين الماء، ونفس الشيء، والوجيه من القوم. فالكلمة الواحدة يكون لها معنيان، أو أكثر.

بين التعدد الدلالي والاشتراك اللفظي:

لم يفرق اللغويون العرب القدماء بين (الاشتراك اللفظي والتعدد الدلالي) إذ اتفقوا على تسمية ظاهرة اتفاق اللفظين واختلاف المعنيين (الاشتراك اللفظي) يقول سيبويه في (باب اللفظ للمعاني): “اعلم أن من كلامهم اختلاف اللفظين لاختلاف المعنيين، واختلاف اللفظين والمعنى الواحد، واتفاق اللفظين واختلاف المعنيين” (1988م، ص24). ويقول ابن فارس في (باب أجناس الكلام في الاتفاق والافتراق): “يكون ذلك على وجوه، ومنه اتفاق اللفظ واختلاف المعنى، كقولنا: عين الماء، وعين المال، وعين الركية، وعين الميزان” (1964م، ص201).

وقد فرق علماء اللغة المعاصرون بين الاشتراك اللفظي (homonymy) وبين التعدد الدلالي (polysemy)، فهما موضوعان مستقلان؛ يتناول الأول الألفاظ التي تتطور في شكلها وبنيتها الخارجية تطورًا متوازنًا ممتدًا حتى تتقابل وتتقارب، وربما تتفق اتفاقًا تامًا وبطريق المصادفة في أصواتها وصورة نطقها، على الرغم من اختلاف معانيها، وصور كتابتها. بينما يحدث التعدد الدلالي نتيجة تطور مدلولات اللفظة الواحدة إلى أن تتباعد.

ونفرِّق بين النوعين بالرجوع إلى المعجم؛ فإذا وجدنا للألفاظ أصولًا مختلفة فهي من قبيل المشترك اللفظي، ولو وجدناها ذات أصل واحد فهي من التعدد الدلالي، فلا يتحدد معنى لفظة (خطأ) إذا ذُكرت منعزلة عن السياق الذي تستعمل فيه، فقد يكون خطأً طبيًا، أو تقنيًا، أو إملائيًا…إلخ. ولا خلاف في أن لفظة (خطأ) هي لفظة واحدة، ترجع إلى أصل واحد، وقد تعددت دلالاتها. في حين قد تتفق لفظتان في الكتابة أو النطق، وتختلفان في أصل اشتقاقهما، نحو: (الخال) أخ الأم، (والخال) الذي في الوجه، فهما كلمتان مستقلتان، غير أنهما قد اتفقتا في الصيغة بمحض المصادفة، ولا علاقة واضحة بين تلك الدلالات، وتسمَّى هذه الظاهرة بالمشترك اللفظي.

كما نفرق بينها بالنظر إلى صيغ الألفاظ؛ فلفظة (عين) لها معانٍ عدة، إلا أنها لا تقبل كل صيغ الجمع؛ فتُجمع على (عيون) إذا دل معناها على العين الباصرة أو عين الماء أو الجاسوس، وتُجمع عل (أعين) إذا دل معناها على العين الباصرة فقط، وتُجمع على (أعيان) إذا دل معناها على سادة البلد وأشرافها.

التعدد الدلالي عند اللغويين العرب القدامى:

وقد تطرق اللغويون العرب القدامى لظاهرة التعدد الدلالي في الكلمات -دون الإشارة إليها صراحة-؛ فهذا ابن فارس (ت 395ه) يذكر أسباب هذه الظاهرة في كتابه (الصاحبي في فقه اللغة) فيقول:” كانت العرب في الجاهلية على إرث آبائهم في اللغات، والآداب، والنسائك، والقرابين. لما جاء الإسلام حالت أحوال، ونسخت ديانات، أُبطلتْ أمور، ونقلت من اللغة ألفاظ إلى مواضيع أخر بزيادات زيدت، وشرائط شرطت. فحلّ الآخر على الأول، مثال: جاء الإسلام بذكر المؤمن والمسلم، والكفار والمنافق، فالعرب عرفت المؤمن من الأمان، والإيمان هو التّصديق. أمّا الإسلام فقد زاد شرائط وأوصافاً بها سميّ المؤمن بالإطلاق مؤمناً” (ص79)

أسباب التعدد الدلالي:

مما لا شكَّ فيه أنَّ دلالة الكلمة في اللغات الطبيعية عرضة لتغيرات مستمرة، وتطور دلالي ما بقيت تُستعمل على ألسنة أهل اللغة، وترجع هذه التغيرات والتطور إلى عوامل مختلفة تاريخية، واجتماعية، ولغوية، أي أن سبب تعدد دلالة كلمة معينة يعود إلى مرورها بمراحل تاريخية مختلفة، بينما يعود سبب التعدد في دلالات كلمة أخرى إلى تعدد انتماءات هذه الدلالات لهجيًا، أو طبقيًا، أو مهنيًا، أو إقليميًا، أو غير ذلك من الانتماءات التاريخية. (أبولاجي، 2012م، ص71) والتطور الدلالي هو أحد جوانب التطور اللغوي، وميدانه الكلمات ومعانيها، ويُقصد به تغيير معاني الكلمات باعتبار عامل الزمن، ومدى تأثيره في الألفاظ ومعانيها بإضافة معانٍ جديدة أو إهمال معانٍ كانت مستعملة في عصور قديمة أو انتشار معانٍ وظهورها وتراجع معاني أو اختفائها. والتغييرات التي تصيب الكلمات ترجع: إمّا إلى تضييق المعنى عند الخروج من معنى عام إلى معنى خاص، وإمّا اتساع المعنى عند الخروج من معنى خاص إلى معنى عام، وإمّا انتقال عندما يتعادل المعنيان أو إذا كانا لا يختلفان من جهة العموم. (فندريس، 1950م، ص256).

ويرى محمد غاليم أن التوليد الدلالي هو أحد أهم أسباب التعدد الدلالي، إذ يقول: “التوليد الدلالي إبداع لدلالات معجمية، وتراكيب دلالية جديدة، أي أنَّه يرتبط بظهور معنى جديد أو قيمة دلالية جديدة بالنسبة لوحدة معجمية موجودة أصلًا في معجم اللغة، فيسمح لها ذلك بالظهور في سياقات جديدة لم تتحقق فيها من قبل” (1987م، ص5) ويدخل ضمن ذلك نقل الألفاظ لاستعمالها مصطلحات في العلوم المختلفة؛ فيضيف الاصطلاح للفظ مدلولا جديدًا إلى المدلول القديم، فكلمة (ذَرَّة) في المعجم هي ” قدرٌ ضئيل جدًّا، بالغ الصِّغر”، وقد تطورت اللفظة دلاليًا، فاكتسبت معنىً جديدًا يُضاف إلى دلالتها الأصلية عندما استخدمت مصطلحًا يُراد به: العلم الذي يبحث في الذرّات وخصائصها (الفيزياء النوويّة).

ومن العوامل التي تؤدي إلى غموض المعنى غياب التشكيل في النصوص العربية المكتوبة، إذ يستطيع القارئ العربي توقع التشكيل الصحيح للكلمات عندما يقرأ نصًا غير مشكول أو مشكولًا بعضه فقط، أمَّا الآلة فلا يمكنها ذلك مباشرة، بل تحتاج إلى تطبيقات تحاكي قدرة ابن اللغة على استعادة التشكيل. ومن أسباب تعدد الدلالة غموض الصيغة الصرفية: إذ تؤدي الصيغة الصرفية -أحيانًا- وظيفتين (اسم الفاعل واسم المفعول- مثلًا-) كما في الفعل (احتلَّ) فاسم الفاعل واسم المفعول (مُحْتَلٌّ) وكذلك الأفعال (اشتقَّ واختار واحتاج).

ولعل من أهم أسباب ظاهرة التعدد الدلالي، الاتساع عن طريق استعمال أساليب بلاغية متعددة، “ارتبطت هذه الأساليب بمعنى اللفظ ارتباطًا وثيقًا، فمنها ما يخرج باللفظ من معناه الحقيقي إلى آخر مجازي (المجاز)، ومنها ما يعتمد على اتفاق المبنى، واختلاف المعنى (الجناس)، ومنها ما يكون في لفظ ذي معنيين يُراد أحدهما دون الآخر(التورية)، أو استعمال اللفظ في غير ما وُضع له، لعلاقة المشابهة مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الحقيقي الذي وُضع اللفظ له (الاستعارة). (أبو شوشة، 2015م، ص40) كما يعود التعدد الدلالي إلى اختلاف اللهجات التي تجري اللفظ الواحد في معانٍ مختلفة تجتمع في مرحلة الجمع، وتأليف القواميس في مدخل معجمي واحد.

ظاهرة اللبس الدلالي (غموض المعنى):

اللبس الدلالي ظاهرة لها وجودها في جميع اللغات الطبيعية، وتزداد أهمية دراسة اللبس إذا واجه الآلة. يحدث اللبس الدلالي -عادة- عندما يكون للوحدة اللغوية التشكيل نفسه عند الكتابة، وكذلك النطق نفسه عند الكلام، ويكون ذلك في الكلمات التي تقع تحت باب التعدد الدلالي. كما يحدث اللبس الدلالي عندما يغيب التشكيل في اللغات التي يُمثِّل التشكيل فيها جزءًا مهمًا من نظام الكتابة، أو عندما يسقط صوت أو يُزاد أو يتغير في وحدة دلالية مما يجعلها تتطابق مع أخرى في الشكل. (حمادة، 2009م، ص152)

فاللبس عموماً هو تداخل فرعين في أصل واحد هو لأحدهما دون الآخر. ووصف الغموض في معنى الكلام هو عدم التمييز بين الفرعين الداخلين في الأصل المدخول إلا بقرنية لفظية أو مقامية أو حالية. وشرط التمييز بين الفرعين لمن منهما هو للأصل تحقق خاصية الاستقلال لأحدهما عن الآخر في الأصل. (بلحوت، 2011م، ص120) وأصعب حالات اللبس تكون في الفعل، وذلك لما يصيب الفعل من حذف سياقي أو معجمي أو غيرهما. ويلي الاسمُ الفعلَ، ثم الحرف في درجة الصعوبة. ويزداد الأمر صعوبة إذا كانت صورة اللفظ تصلح لأن تكون طورًا صرفيًا في أكثر من سلسلة لتصرف فعل ما. (السبع، 2006م، ص71)

أجاز النظام اللغوي في اللغة العربية تعدد دلالة الوحدة اللغوية الواحدة الصرفية والمعجمية المتحررة عن السياق دون الخوف من وقوع اللبس، إذ تعتمد الوحدة اللغوية عادة على وسائل كثيرة تعينها على تحديد الدلالة المناسبة لها في الجملة التي وردت فيها. فالكلمة أو الوحدة اللغوية لا قيمة لها دون ارتباط بعلاقة دلالية مع لفظة أخرى، مكونة ثنائية دلالية كل طرف من طرفيها أحادي الدلالة، فيترابطان لتكوين علاقة دلالية واحدة، وإذا حدث تغيير في دلالة أحد الطرفين، تغيرت العلاقة الدلالية الرابطة بينهما، ونتج عن ذلك ثنائية دلالية جديدة. (البسومي، 2015م، ص 344). فلا يتحدد معنى لفظة (خطأ) إذا ذُكرت منعزلة عن طرفها الآخر، فدلالة (خطأ طبي) تختلف عن دلالة (خطأ تقني) وعن دلالة (خطأ إملائي) … إلخ. ولا خلاف في أن لفظة (خطأ) هي لفظة واحدة، ترجع إلى أصل واحد، أجاز نظامها اللغوي أن يتعدد معناها خارج السياق اللغوي.

إن أي لبس يصيب الجملة التي ترد في السياق يكون مردُّه إلى تقصير النظام التركيبي للجملة في تمثيله لكل القرائن الدلالية الضرورية التي تحتاجها الدلالة، إما قصدًا من النظام التركيبي سعيًا وراء إيجاز أو إبهام، أو لخطأ وعدم قدرة على إدراك هذه القرائن. (البسومي، 2015م، ص345) فعندما نقول: (ارتكب خالدٌ خطأً) فاللبس هنا لا يعود إلى تعدد المعنى المعجمي لكلمة (خطأ) الذي أجازه النظام اللغوي للغة العربية، بل يعود إلى عدم وجود قرائن كافية في السياق، إذ يزول اللبس بزيادة كلمة (طبيًا).

غموض معنى الجملة:

تكون الجملة غامضة إذا كان لها معنيان مختلفان أو أكثر، مثل:

(1)- رأيت عينًا صافية.

سبب الغموض وجود كلمة غامضة في الجملة هي (عين) فالصفاء مشترك بين العين الباصرة والجارية والشمس.     ومن أمثلة غموض الجملة:

(2)- لا يحضر الموظف مثل زميله.

وتعني أن الموظف وزميله لا يحضران، أو زميل الموظف أفضل منه في الحضور. والجملة هنا تخلو من وجود كلمة غريبة، ولكنها لا تخلو من الغموض في المعنى، وسبب غموضها ليس غموض كلمة، بل غموض التركيب النحوي.

قد لا يؤدي وجود كلمة غامضة إلى غموض الجملة إذا استطاع السياق إزالة غموض تلك الكلمة، فلو قلنا في جملة المثال (1): (رأيت عينًا صافيةً في الصحراء) لزال الغموض بفضل السياق. في مقابل ذلك قد لا يكون في الجملة أية كلمة غامضة، ومع ذلك تكون الجملة غامضة، كما في المثال (2).

 غموض التراكيب النحوية:

قد يرجع غموض معنى الجملة في اللغة العربية إلى غموض التركيب النحوي، وتحدث (الخولي)[1] عن التراكيب النحوية التي قد تؤدي إلى غموض معنى الجملة، ومنها:

1- إذا أضفنا مصدرًا مشتقًا من فعل متعدٍ إلى اسم لاحق، وكان المضاف إليه حيًا قابلًا لأن يكون قائمًا بالفعل أو متلقيًا له. فإنَّ هذا التركيب قد يحتمل أكثر من معنى واحد، مثل: (مساعدة الأصدقاء). فالعبارة تحتمل (مساعدة مقدمة من الوالدين أو مساعدة مقدمة من الوالدين). ولتجنب الغموض في مثل هذا التركيب يُستحسن صياغة التركيب على النحو التالي: (مساعدة الوالدين للأبناء أو مساعدة الأبناء للوالدين). فإن شاع استعمال التركيب زال الغموض، كما في (تدريب المعلمين ومكافأة المتفوقين).

2- إذا وقع تشبيه بعد نفي، قد يُفهم المعنى على أنَّ المشبه هو الحالة المنفية أو غير المنفية، مثل: (لا يدرس ابني مثل صديقه) قد تعني: (ابني لا يدرس وصديقه لا يدرس أيضًا) أو (كلاهما يدرسان ولكن صديق ابني أفضل منه في الدراسة). وهذا النوع من التراكيب يبقى غامضًا دون سياق يوضح المعنى.

3- إذا احتار القارئ في تعليق الجار والمجرور، فقد تٌفهم الجملة على غير ما قصد بها. مثل: (أنشئت الجمعية لحماية الأطفال من جميع المذاهب) قد تعني: (الأطفال من جميع المذاهب أو الحماية من جميع المذاهب).

4- الموصوف إذا كانت صفته منسوبة، مثل: (النقل الجماعي)، قد تعني (تعاونًا بين جماعة وجماعة أو تعاونًا بين أفراد الجماعة الواحدة).

5- العطف، إذ قد يحتار القارئ في ردّ المعطوف على المعطوف عليه، مثل: (ينتجون الصواريخ المضادة للطائرات والمصفحات)، قد تعني (ينتجون الصواريخ والمصفحات أو ينتجون نوعين من الصواريخ: نوعًا مضادًا للطائرات، ونوعًا مضادًا للمصفحات). وقد يُزيل السياق الغموض أحيانًا.

أسباب حدوث اللبس الدلالي عند المعالجة الآلية:

يسعى النظام التركيبي للجملة في اللغة العربية إلى تحقيق الاقتصاد اللغوي، فيختزل قرائن لغوية ضرورية لفهم دلالة الجملة اعتمادًا على الدلائل الموجودة في المسرح اللغوي، أو اعتمادًا على قدرة عقل ابن اللغة على الحدس والاستنتاج، لذلك تتفاوت نسبة اللبس بين الإنسان والآلة، ومن نص إلى آخر؛ فدائرة اللبس تضيق كلّما زوِّدت الآلة بخوارزميات رياضية وقواعد بيانات لغوية، والعكس صحيح.  كما أن تقصير النظام التركيبي في تمثيله لقرينة من القرائن التي تحتاجها الدلالة يؤدي أحيانا كثيرة إلى تعدد قراءة الجملة الواحدة، وبالتالي تعدد الدلالة. (البسومي، 2015م، ص 345) فجملة (خرج الطالب) فيها لبس واضح؛ لأنها تحتمل أكثر من معنى؛ فالرجل يمكن أن يكون فاعلا إذا أضفنا القرينة المناسبة لتصبح الجملة (خرج الطالبُ) أو (خَرَجَ الطالب) ويمكن أن يكون مفعولا إذا أضفنا القرينة المناسبة التي تمثِّل الدلالة المطلوبة لتصبح الجملة (خَرَّجَ الطالبَ) أو (خرج العميد الطالب).

كما لا تستطيع الآلة التعامل مع اللبس الدلالي أو الغموض اللغوي الناتج عن الأداء الصوتي[2]؛ لأنه يحتاج إلى تمييز الأصوات والتعرف على مواضع النبر والتنغيم. يقول (آلان بونيه): “إنَّ فهم الكلام أكثر صعوبة من فهم اللغة المكتوبة، وذلك لعدة أسباب، أهمها ما يلي:

1- تحتوي الرسالة المنطوقة على “ضجيج” قد لا يحمل أي معنى. ويجب حذف مثل هذه الأصوات التي ليس لها دلالة لغوية أثناء تحليل الكلام.

2- نطق الكلام نادرًا ما يكون مضبوطًا، ويختلف نطق العبارة نفسها من شخص إلى آخر.

3- يختلف نطق المتحدث الواحد للعبارة نفسها من وقت لآخر حسب حالته النفسية والفسيولوجية.

4- يمكن أن يختلف نطق الصوت الواحد تبعًا لما إذا كان يُنطق منفردًا أو مع كلمات أخرى.

5- ليس هناك حدود واضحة في الإشارة الصوتية بين الكلمات المتتالية، ويمكن أن تكون هناك فترات صمت في منتصف الكلمة أو توقف بين الكلمات المتتالية.

6-يمكن أن يكون للكلمات المختلفة تمامًا في الهجاء نطقًا واحدًا. (1995م، ص65-66)

فهم المعنى بين الإنسان والآلة:

قد تحمل اللفظة الواحدة في النظام اللغوي للغة العربية أكثر من دلالة، بشرط أن تتعين كل دلالة من الدلالات التي تحملها هذه اللفظة في سياق غير السياق الذي تتعين فيه الدلالات الأخرى. بحيث لا ترتبط الكلمة في سياق مكتمل إلا بدلالة واحدة، ويستبعد السياق بقية الدلالات.

وقد استعان النظام اللغوي للعربية لتحقيق هذا الشرط بمبدأ القرائن اللغوية المتمثلة في السياق، والقرائن غير اللغوية المتمثلة في المقام، فكل كلمة في السياق اللغوي تقوم بعملين: أولهما التعبير عن قيمة لغوية محددة، وثانيهما تقييد الكلمة أو الكلمات المتصلة بها في الجملة بدلالة واحدة من دلالاتها المتعددة.

قد يفتقر السياق اللغوي أحيانًا لقرائن لغوية أو غير لغوية، فتحتمل الكلمة الواحدة أكثر من دلالة، فيعجز العقل البشري عن معرفة المعنى المقصود، إذ يعتمد هذا العقل لفهم معنى الجملة على معرفة الدلالات الممكنة لكل كلماتها وهي متحررة من السياق، بالإضافة إلى معرفة القرائن اللغوية وغير اللغوية، وتوظيفها في تعيين الدلالة المقصودة من كل كلمة في الجملة. وابن اللغة يعتمد في فهمه للجملة على ما اختزنه في ذاكرته من مفردات ودلالاتها، ونظام لغوي يحدد خصائصها، وقيمها، وأدوارها في الجملة. (البسومي، 2015م، ص 347-349)

ولا يختلف فهم الآلة لدلالة الكلمات والجمل عن فهم عقل ابن اللغة؛ فلن تفهم الآلة الدلالات المقصودة دون معرفة جميع الدلالات التي يمكن أن تدل عليها الكلمة وهي متحررة من سياقها، أو معرفة القرائن التي تعين على تحديد دلالة الجملة. وحتى نمنح الآلة قدرة ومعرفة تشبه قدرة ابن اللغة، فإننا بحاجة إلى تزويدها بما يوازي المعرفة اللغوية المختزنة في عقل ابن اللغة في صورة ترميز رياضي حاسوبي.

تتفوق الآلة على الإنسان أحيانًا، فهي قادرة على استدعاء ما يُطلب منها بسرعة عالية، كما أنها تتفوق في الاستيعاب الكمي للبيانات، ولكن الإنسان يتفوق على الآلة في معالجة البيانات التي يستقبلها. ومن هنا تتفوق الآلة في صناعة المعاجم الإلكترونية، إذ تستفيد من المدونات اللغوية المحوسبة التي تمثل الاستخدام الفعلي للغة، فيتم على أساس بيانات المدونات تحديد معاني الكلمات داخل سباقاتها الفعلية.

في المقابل يتفوق الإنسان في التواصل اللغوي، إذ يصعب على الآلة فهم المواقف المختلفة، وما يناسبها من أقوال وعبارات، وما يمكن أن تحمله جملة واحدة من معانٍ قد تكون متضادة أحيانًا. فالإنسان قادر – وهي صفة تتفاوت من شخص لآخر – على ابتكار أساليب لغوية جديدة تجعله متواصلًا مع الآخرين. (عشري، 2013/، ص131) فلدى ابن اللغة فائض لغوي من العلاقات والقرائن التي يشتمل عليها التعبير اللغوي، وهذا الفائض هو الذي يمكِّنه من معرفة أن الفاعل في جملة (أكل الكمثرى موسى) هو موسى رغم تأخره، ويمكِّنه من معرفة المقصود الدلالي من الجملة التي بها خطأ إعرابي بنصب الفاعل ورفع المفعول به مثلًا. (السبع، 2006م، ص 78)

أمن اللبس:

يرتبط أمن اللبس في اللغة بالتفريق بين معنى وآخر من خلال عناصر التركيب والبنية، فليس أمر التركيب مجرد ضم مجموعات الكلام بعضها إلى بعض، وإنما يرتبط بجوانب المعنى ارتباطًا وثيقًا، فلابدَّ للغة من وضع حدود فاصلة يُؤمن معها اللبس، فلا يلتبس على القارئ أو المتلقي معنى بمعنى آخر يتشاركان بالبنية نفسها. (حسّان، 1973م، ص34)

وكان للنحاة العرب القدماء حديث عن مصطلح أمن اللبس؛ فأمن اللبس قائم لديهم على أساس التخلص من قيم التشابه بين وحدتين لغويتين “من خلال قرينة تدل على وجود عنصر في الكلام يدل على المراد، أو يدل على المقصود من الكلام، فإنَّ هذه القرينة تًستعمل دليلًا لبيان حقيقة ما أريد، وذلك نحو ما نرى -مثلًا- في القرينة المعنوية في قولنا: دخل البحر مجلسنا، فإنَّ القرينة المعنوية تحول دون أن يدخل البحر إلى مجلس فيه الناس، فإن المقصود هنا رجل مشبَّه بالبحر، إلا أنَّ القرينة المعنوية دلت على أن الرجل هو المقصود لا البحر”.

وقد وردت كلمة الموت في القرآن الكريم بدلالات مختلفة إلى جانب الدلالات الأساسية أو المركزية للكلمة، والتي تعني مفارقة الروح للجسد في مثل قوله تعالى: (حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ) الأنعام الآية 61. ومنها جدب الأرض في قوله تعالى: (وَاللَّهُ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا) النحل الآية 65. ومنها الظلال عن التوحيد في قوله تعالى: (أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) الأنعام الآية 122. (حسام الدين،2000م، ص83)

وهذا المعنى للقرينة عند القدماء يقترب من مفهوم أمن اللبس، وذلك أن أمن اللبس يُذكر عند العلماء لبيان تحقق معنىً ما، وعدم اختلاطه بغيره، ولكن دون قرينة، بل الاعتماد على المعنى وحده، ومن هنا فإنَّ لأمن اللبس والقرينة أثر بالغ في تحقيق المعاني، وإيصال المتلقي إلى الغاية المقصودة، من الكلام، وإبعاده عن المعاني الأخرى، التي قد تختلط عليه مع المعنى المراد من الكلام. (السوالقة، 2016م، ص14و15)

 

 

أمن اللبس في المستويات اللغوية:

يحدث اللبس في الكلام المنطوق والمكتوب على مستويات اللغة كافة؛ الصرفي والنحوي والدلالي والتداولي…، ولكل مستوىً من هذه المستويات طريقته في الوصول إلى أمن اللبس.

أمن اللبس في المستوى النحوي:

الإعراب عنصر من عناصر نظام الجملة في العربية، وليس شيئًا منعزلًا عن هذا النظام، إنَّ الإعراب دليل الموقعية، وأهم دلائل التعليق، أي: ربط الكلم بعضه ببعض على طريقة مخصوصة، فهو يشير إلى وظيفة الصيغة ومدى ارتباطها بما يسبقها أو يلحقها، مهما يكن موقعها من الجملة، والعربية بخاصة الإعراب تمتاز من غيرها من اللغات، إذ هي تتصف بالمرونة في قواعد ترتيب الكلام، ونظمه في الجملة من حيث التقديم والتأخير. ويكفي للتدليل على ذلك أن نشير إلى حال المفعول به؛ فهو يسبق الفعل، ويتوسط بينه وبين الفاعل، ويتأخر عن الفاعل جوازًا ووجوبًا، وهو في كل الحالات محدد الوظيفة معروف، بفضل وسائل التعليق أو الربط، ومن أهمها الإعراب الخاص به وهو النصب، ونصب المفعول به مانع للبس. (بشر، 1998م، 267و268)

في كلمة “دار: فعل”، وكلمة “دار: اسم” فإنَّ دخول الإضافة والتنوين على الثانية كان أمنًا للبس بينها وبين الأولى، ذلك أنَّ هيئة الكلمتين تؤدي إلى القول بأنّهما قد تتشابهان في معناهما أو تتقاربان في بنيتهما، إلا أنَّ علاقات النحو كانت سبيلًا للخلاص من هذا الالتباس، يقول المبرد: ” وما كان على ثلاثة فالتنوين والخفض فصل بينه وبين الفعل فقد أُمن اللّبْس” (ص111)

أمن اللبس في المستوى الدلالي:

ويبدو أمن اللبس أكثر وضوحًا في المستوى الدلالي، كما أن أمن اللبس في المستويين الصرفي والنحوي جاء ليخدم المعنى. ومن أمثلة أمن اللبس في المستوى الدلالي أن تشترك مجموعة من الوحدات اللغوية في بنائها التركيبي، وتختلف في دلالتها بسبب توافر أمن اللبس؛ إذ “قد يجاء بكلام على صورة هي لغيره توسعًا عند أمن الالتباس، فمن ذلك ورود الخبر بصورة الأمر، وورود الأمر بصورة الخبر، وورود الخبر بصورة الاستفهام، وورود الاستفهام بصورة الخبر، ومن ذلك ورود الاختصاص بصورة النداء كقولهم: اللهم اغفر لنا أيتها العصابة، ونحن معاشر الأنبياء لا نورث” (ابن مالك، د ت، ص91)

أهمية معالجة المستوى الدلالي في العربية آليًا:

ثمة خصائص لغوية ودلالية مشتركة بين اللغات الطبيعية، لكن ذلك لا ينفي خصوصية كل لغة في التعبير عن معانيها، إذا كانت القواسم المشتركة بين اللغات موجودة في بعض المستويات اللغوية كالمستوى التركيبي، فإنها تندر في الدلالة، ولذلك أحيانا ما تُستخدم برامج الصرف والنحو في اللغة الإنجليزية -مثلًا – لمعالجة اللغة العربية، وهو ما لا يستقيم في الدلالة للاختلاف الشاسع بين اللغتين في ذلك. من هنا تأتي أهمية معالجة الدلالة في اللغة العربية آليًا؛ لأنه لا يصلح استيراد نظم معالجة الدلالة من اللغات الأخرى. (عشري، 2013م، ص128-129)

إن بناء أداة لمعالجة التراكيب في اللغة العربية لا تكفي لتطوير برنامج لتوليد الجمل والنصوص، بل لابدَّ من أن يصاحبها أداة لمعالجة المستوى الدلالي من اللغة؛ فقواعد اللغات الطبيعة تنتج عادة جملاً صحيحة من حيث التركيب، ولكنها غير مقبولة دلاليًا؛ فجلة (يشربُ الرجلُ الخبزَ) مكونة من فعل وفاعل ومفعول به، ولكنها غير صحيحة من الناحية الدلالية.

 الإطار العملي:

منهج الدراسة:

اقتضت طبيعة الدراسة استخدام منهج علمي أقرب ما يكون إلى المنهج الوصفي التحليلي لدراسة أثر فلك لبس الكلمات في الفهم الآلي للمعنى في حوسبة اللغة العربية؛ من خلال تتبع ألفاظ ذات تعدد دلالي، وتحليلها، واقتراح مجموعة من الحلول.

كيف نحدد معنى الكلمة؟:

إنَّ بيان المعنى اللغوي لكلمة ما يتحقق بدارستها دراسة صوتية وصرفية ونحوية ودلالية، يتمثل الجانب الأول في كونها مركبة من أصوات منظمة انتظامًا معينًا، ويتمثل الجانب الثاني من معنى الكلمة في كونهـا اسمًا أو فعلًا أو حرفًا، ويتمثل الجانب الثالث في بيان خصائصها النحوية من حيث جواز وقوعها في مواقـع معينة في الجملة وارتباطها بغيرها من الكلمات التي تسبقها أو تلحقها، ويأتي الجانب الرابع لتحديد دلالتها في سياقات متعددة تحديدًا دقيقًا. (حسام الدين،2000م، ص81)

إنَّ للكلمة معاني مفردة يحددها المعجم، ولها أيضا معنى يوجبه الاستعمال اللغوي داخل الجملة، فتخرج الكلمة عن معناها الأصلي (المعجمي) فتُستعمل مجازًا، فتُطلق على معنى آخر تربطها به علاقة ما، “إما علاقة مشابهة فيكون المجاز استعارة، وإما علاقة غير مشابهة فيكون مجازًا مرسلًا. وبمرور الزمن وكثرة التداول تصبح حقيقة في هذا المعنى الجديد بعد أن كانت مجازًا فيه”. (فيود، 2015م، ص130-131) أما الاستعمال الاصطلاحي، فهو استعمال ولَّده الأفراد أو المؤسسات المختصة للتعبير عن الجديد الطارئ من المفاهيم على حياة الجماعة اللغوية. (القاسمي، 1998م، ص63)

استعمال الكلمة يحكمه أمران:

الأول: سياق لغوي لا يقيم اعتبارًا للكلمة بوصفها وحدة مستقلة عن غيرها، بل يتحقق معناها من خلال علاقتها مع غيرها من الكلمات داخل السياق اللغوي.

الثاني: الموقف أو المسرح الذي يُقال فيه الكلام، وما يحيط به من ظروف. نمثل لذلك بالفعل (أكل):

قال تعالى: “وَقَالُوا مَا لِهَٰذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ” الفرقان 7، فيأكل هنا بمعنى يتغذى.

قال تعالى: “وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ” يوسف 13، وهنا بمعنى يفترس.

قال تعالى: “وَيَا قَوْمِ هَٰذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ” هود 64، وهنا بمعنى يرعى.

قال تعالى: “مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ” سبأ 14، وهنا بمعنى يقرض.

قال تعالى: “أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ” الحجرات 12، وهنا بمعنى يغتاب.

قال تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا” النساء 10، وهنا بمعنى يختلس. لقد استطعنا من خلال السياق اللغوي تحديد المعاني المختلفة للفعل (أكل) الذي ورد في سياقات قرآنية متعددة (حسام الدين،2000م، ص84و85) وهذا يعني أنه لا وجود لأية دلالة معجمية بمعزل عن السياق، وأنَّ ما يتوهم بعض الناس أنه دلالة معجمية أصلية للكلمة، لا يعدو كونه أكثر شيوعا من غيره. (القاسمي، 1998م، ص58)

السياق غير اللغوي: (السياق الخارجي للنص – سياق الموقف – المقام):

وهو جملة العناصر غير اللغوية المكونة للموقف الكلامي، كالأداء الصوتي والظروف والملابسات. فلا يمكننا عزل عملية الكلام عن المحيط الخارجي للغة، إذ يعتمد إفهام السامع على عملية التواصل بين المتكلم والمتلقي، وما ترسب في ذهن كليهما من خبرة مشتركة حول معاني المفردات المستعملة ترشد إلى المعنى الكامل للجملة، فسياق الحال يهتم بدراسة المحيط الذي يقع فيه الكلام ويشمل الظروف المحيطة بالحدث الكلامي لسياق الموقف، ونوع القول وصفته، واللغة أو اللهجة المستعملة، والمتكلم أو الكاتب، والمستمع أو القارئ، والعلاقة بين المرسل والمتلقي من حيث الثقافة والجنس والعمر والطبقة الاجتماعية، ووجود بعض الإيماءات أو أي إشارات عضوية. (السعران، 2006م، ص339) والسياق هو الذي يساعد الكلمات على التخلص من المعاني المتراكمة؛ ففي السياق قرائن تعين على اختيار معنى واحد من مجموعة معاني يضمها المعجم.

لقد تعددت النظريات اللغوية الدلالية التي تتحدث عن كيفية تحديد المعنى كالنظرية الإشارية، والنظرية التصويرية، والنظرية السلوكية، وغيرها من النظريات، إلا أنها لم تتمكن من تقديم نظرية لغوية شاملة لدراسة المعنى كنظرية السياق. (فندريس، 1950م، ص252) فلا يتحدد معنى الكلمة بالعودة إلى التعريف التجريدي الموجود في المعاجم، بل تكتسب دلالتها الدقيقة من خلال موقعها في سياق الكلام. “فالدلالة لا تنكشف إلا من خلال تسييق الوحدة اللغوية” (عمر، 1998م، ص68).

إن فهم معنى الكلمة “ينبغي ألاَّ يقتصر على الكلمات والجمل الحقيقية، بل يشمل القطعة كلها، والكتاب كله” (أولمان، 1972م، ص55). إن منح الآلة قدرة على فهم السياق يُمثل حجر الأساس في حوسبة المستوى الدلالي من اللغة، وسيقودنا إلى الحصول على نتائج دقيقة عند بناء تطبيقات الترجمة الآلية، والترجمة الفورية الآلية، وتحليل النصوص المكتوبة، والتحليل الأدبي، وبناء المعاجم التاريخية، وغيرها من التطبيقات.

ويلعب النبر والتنغيم دورًا مهمًا في كشف المعاني وتمييز بعضها عن بعض، إذ يُعد التنغيم عنصرًا مهمًا من عناصر السياق على المستوى الصوتي؛ فيُفرِّق بين معاني العبارات والكلمات، “ويُستعمل أحيانًا بصورة تُظهر العلاقة بين الكلمة التي تقال، ومعناها الذي سِيْقت له، فإذا قال: “بلاد بعيدة، عبَّرَ عن شدة البعد بمدِّ الياء مدًّا طويلًا، وكذلك الفتحة التي بعدها من (بعيدة) ونطق الياء والفتحة على نغمة واحدة مسطحة عالية نوعًا ما”. (حسّان، 1973م، ص310)

أركان نظرية السياق في دراسة المعنى عند فيرث:

1- وجوب اعتماد لغوي على ما يُسمى بالمقام، وحدد فيرث العناصر الأساسية لسياق حال الحدث بما يلي:

– المظاهر وثيقة الصلة بالمشاركين، وتتضمن: كلام المشاركين، وسلوكهم أثناء الكلام، وشخصيتهم وتكوينها الثقافي، وكذا من يشهد الكلام من غيرهم – إن وُجدوا – وبيان مدى علاقتهم بالسلوك اللغوي، وهل يقتصر دورهم على مجرد الشهود؟ والنصوص التي تصدر عنهم.

– الأشياء وثيقة الصلة بالموقف، كالعوامل، والظواهر الاجتماعية ذات العلاقة البالغة، والسلوك اللغوي لمن يُشارك في الموقف الكلامي، نحو: مكان الكلام وزمانه والوضع السياسي…إلخ.

– أثر الحدث الكلامي في المشتركين: كالإقناع أو الألم أو الإغراء أو الضحك…إلخ.

2- وجوب تحديد بيئة الكلام المدروس تحديدًا دقيقًا؛ عند بناء المدونات اللغوية ينبغي أن نحدد اللغة المدخلة تحديدًا دقيقًا، حتى نضمن عدم الخلط بين لغة وأخرى، أو لهجة وأخرى، أو بين مستوىً كلامي ومستوىً آخر؛ فنحدد البيئة الاجتماعية أو الثقافية التي تحتضن اللغة المراد تخزينها حاسوبيًا، ذلك أن هناك صلة وثيقة بين اللغة والثقافة التي تحتضنها، وهو ما يمكن أن نسميها بالسياق الثقافي، “وهو أمر هام للفصل بين المستويات اللغوية، كلغة المثقفين، ولغة العوام، أو لغة الشعر، ولغة النثر. لأن من شأن هذا الخلط بين المستويات اللغوية أن يؤدي عند تحليل كلمات اللغة آليًا، أو ترجمتها إلى نتائج مضطربة غير دقيقة”. (بصل وبلة، 2014م، ص6)

3- وجوب النظر إلى الكلام اللغوي على مراحل؛ لأنه مكوَّن من أحداث لغوية مركبة، أو معقدة، وهي فروع اللغة المختلفة. واتباع هذا المنهج يوفر اليسر والسهولة في تحليل الأحداث اللغوية، والوصول إلى خواص الكلام المدروس؛ إذ تقود كل مرحلة إلى التي تليها وصولًا إلى المعنى الوظيفي. فالنظرية السياقية تنطلق من دراسة السياق من خلال مجموعة من الوظائف اللغوية (الصوتية والنحوية والمعجمية والدلالية)، فيُدرس المعنى على المستويات جميعها.[3]

صعوبة معالجة المستوى الدلالي:

يسعى اللغويون والحاسوبيون إلى بناء تطبيقات وأدوات حاسوبية بهدف محاكاة بعض وظائف الإنسان وقدراته الذهنية، وفي مقدمتها اللغة في مستوياتها كافة. غير أننا كلَّما انتقلنا من مستوى لغوي إلى آخر أعلى منه زادت صعوبة معالجة اللغة آليًا. فالتعامل مع المستوى النحوي أصعب من التعامل مع المستوى الصرفي، وحوسبة المستوى التركيبي أسهل من معالجة الدلالة.

ولعل أول ما يواجه المعالجة الآلية، هو التداخل بين المستويات اللغوية، وأنَّ كلَّ مستوى يعتمد على المستوى الذي يسبقه، ويتبادل المعطيات معه، مما يوجب استعمال أنظمة متعددة لمعالجة تلك المستويات، وأن يرتبط كل نظام منها بالآخر. لذا “يصعب برمجة المستوى الدلالي لاعتماده على المستويات اللغوية السابقة عليه من ناحية، ولعدم اطِّراد قواعده لارتباطها بظروف التكلم والسياق من ناحية أخرى”. (عشري، 2013م، ص134) فالوصول إلى إنتاج جمل صحيحة دلاليًا آليًا أصعب من الوصول إلى صحتها نحويًا. فجملة (هاجرت أمريكا إلى خالد) جملة صحيحة نحويًا، لأن كلمة (أمريكا) وقعت فاعلًا للفعل (هاجر)، وعلى الرغم من صحة نمط تركيب الجملة (فعل + اسم + حرف جر + اسم مجرور) إلا أنها جملة غير مقبولة. لذا فالمحلل التركيبي وحده دون المحلل الدلالي لا يفي بالغرض.

كما أنَّ المعنى الدلالي يعتمد على المعنيين المقالي والمقامي، ويقوم عليهما، ويتكون المعنى المقالي من المعنى الوظيفي والمعنى المعجمي، ويشمل مجموعة من القرائن المقالية المعنوية، مثل: قرينة الإسناد (علاقة المبتدأ بالخبر، والفعل والفاعل)، وقرينة التخصيص (التعدية في المفعول معه)، وقرينة المخالفة (المنصوبات وتغير المعنى بتغيرها إلى المرفوعات)، قرينة النسبة (معاني حروف الجر التي بها تنتسب معاني الأفعال إلى الأسماء)، وقرينة التبعية (الصفة والتوكيد والبدل والعطف). ومجموعة من القرائن المقالية اللفظية كالعلامة الإعرابية، والرتبة، ومبنى الصيغة، والمطابقة، والربط، والتضام، والأداة. أما المعنى المقامي فهو مكون من ظروف أداء المقال. (حسّان، 1973م، ص204)

والدلالة في اللغات الطبيعيّة أكثر عرضة وأسرع للتغير من أصواتها وصرفها وتراكيبها. إن التعامل مع الدلالة حاسوبيًا يُمثِّل مشكلة كبيرة للغويين والباحثين في حوسبة اللغة، لما يطرأ على ألفاظ اللغة “من ظواهر التغير الدلالي، والتوسع الدلالي، والتخصص الدلالي، واكتساب المعاني الهامشية، والاستعمالات المجازية، والترادف، والاشتراك اللفظي وغيرها” (القاسمي، 1998م، ص60)

ولكن هذا لا ينفي أن يكون للدلالة طبيعة وخصائص يمكن حوسبتها وإخضاعها للوسائل العلمية الحديثة، شأنها في ذلك شأن القواعد النحوية، وسائر المستويات اللغوية الأخرى التي يمكن ترتيبها وتنظيمها. فقواعد اللغات الطبيعية قائمة بشكل أو بآخر في عقول متكلميها بوصفها تنظيمًا يمنح الخصائص اللغوية لمجموعة غير متناهية من الجمل الممكنة، وهذه القواعد موجودة بشكل ضمني في الملكة اللغوية لدى متكلم اللغة.

فالطفل يُولد ولديه استعداد للتكلم بأي لغة بعد أن يستوعب نظامها اللغوي شيئًا فشيئًا، ولن يتمكن الطفل من تعلم اللغة بنظامها بالغ التعقيد ما لم تتبرمج في ذهنه مسبقًا معلومات تامة بقواعد كلّية. وإذا كان عقل الطفل قادرًا على استيعاب هذا النظام المعقد، فإنَّ الأمل يحدونا في ألَّا يعجز الحاسوب عن اكتساب اللغة إذا ما غُذِّيَ بالأسس والمبادئ المتحكمة في اللغة. “(عشري، 2013م، ص135)

حوسبة المستوى الدلالي:

إذا كان الإنسان قد تمكن من إخضاع اللغة في مستوياتها الصوتية والصرفية والنحوية لسيطرة الخوارزميات الحاسوبية، فإنَّ إخضاع المستوى الدلالي للحوسبة ممكن أيضًا. إذ سيُحاول الباحث من خلال الدراسة الحالية أن يقتطع من دلالات اللغة العربية أجزاء يمكن السيطرة عليها باستخدام قواعد وقوانين صورية.

ينبغي أن نسعى إلى تطوير أساليب في الذكاء الاصطناعي تقوم على استعمال أنماط رياضية وخوارزميات حاسوبية تحاكي عمل الإنسان. ليتمكن الحاسوب من فهم المعنى، وتحليل الجملة أو النص تحليلا دقيقًا، أو تمثيله تمثيلا سليمًا عند إنتاج الكلام.

نبدأ بتخزين الكلمات حاسوبيًا في قواعد بيانات مع إضافة المعنى الخاص بكل كلمة، وتحمل كل كلمة معاني كثيرة، ولكنها غالبًا ما تكون متقاربة، تدور حول معنى عام يؤلف بينها، ونرتبها في قاعدة البيانات حسب قربها وبعدها عن المعنى العام. وطبيعة المعنى المعجمي للكلمة أن يكون متعددًا، غير أن هذا التعدد لا يوجد إلا خارج السياق الذي تُستخدم فيه الكلمة.

وتختلف السياقات التي ترد فيها الكلمات، لذا ينبغي أن نتعرف آليًا على دلالات الكلمات داخل سياقاتها، وأن نضع نماذج لسياقات خاصة بكلمة معينة من خلال تحديد قيود للتصاحب بين الكلمة المقصودة والكلمات السابقة واللاحقة لها. ويكون ذلك من خلال عمليات إحصائية لورود الكلمة داخل مدونات لغوية تمثل الاستخدام الفعلي للغة. ونعالج كلمات تلك المدونات معالجة لغوية قبل أن تكون الآلة جاهزة لمعالجة نصوص كاملة، وتحليلها وترجمتها آليًا، وأن تشمل تلك المدونات معظم كلمات اللغة وأساليبها.

وتحتاج الآلة إلى الكثير من الضوابط البرمجية لكي تدرك المعنى الدقيق للكلمة داخل السياق، وعندما يكون هناك خلل في بناء أنظمة حوسبة تحليل النصوص أو الترجمة الآلية، فإن الآلة تعطي الكلمة معنى خاطئًا أو أكثر من معنى، وهي لا تحمل سوى معنىً واحدًا أراده المتكلم أو الكاتب. “فالمعنى الأساسي للكلمات محدد ومعين بصفة عامة، ولكن الجوانب الخارجية لهذا المعنى غامضة وغير ثابتة، وهي في أساسها جوانب عامة وغير محددة، وفي حاجة إلى مزيد من التوضيح المستمد من السياق والمقام” (أولمان، 1972م، ص90)

منهج مقترح لفك غموض المعنى في المعالجة الآلية:

ينبغي أن نمنح الحاسوب قدرة تمكنه من تعرف الوحدات النحوية ووظائفها، وأثر كل وحدة في الجملة، كالجار والمجرور والصفة والموصوف والمضاف والمضاف إليه وغيرها. وأن يفهم كل وحدة ووظيفتها داخل الجملة.

العلاقات الدلالية بين الكلمات:

تعد نظرية الحقول الدلالية من أكثر النظريات التي اعتمدت على تجميع الوحدات الدلالية في فئات، بحيث تشترك مجموعة من الكلمات في التعبير عن قطاع دلالي معين، وتغطي مجالًا في مستوى المفاهيم، فلكل حقل من المفاهيم حقل دلالي، ومعنى ذلك أن كل مدلولات اللغة تنتظم في حقول دلالية. ومن إيجابيات نظرية الحقول الدلالية أنها أظهرت أن اللغة عبارة عن شبكة من العلاقات الدلالية، كما أنها كشفت بوضوح عن الحدود الدقيقة بين المعاني.

ويمكننا عن طريق هذه النظرية البدء ببناء شبكة العلاقات الدلالية المسيطرة على اللغة العربية، من خلال الكلمات، ثم تسكينها في حقولها ومجالاتها المناسبة، وبيان صلة كل كلمة بالكلمات الأخرى. (عشري، 2013م، ص140). تحدث هاليداي عن الارتباط الاعتيادي لكلمة ما في لغة ما بكلمات أخرى معينة، فتحديد معنى الكلمة يعتمد على النظر إلى مجموعة الكلمات التي تقع معها في السياق اللغوي. (عمر، 1998م، ص74)

الحقل الدلالي هو مجموعة من الكلمات ترتبط دلالاتها، وتوضع عادة تحت لفظ عام يجمعها. وتقول نظرية الحقول الدلالة: إنه لكي تفهم معنى كلمة يجب أن تفهم كذلك مجموعة الكلمات المتصلة بها دلاليًا، فالكلمة تكتسب معناها من علاقاتها بالكلمات الأخرى في داخل الحقل المعجمي. (عمر، 1998م، ص79-80) وهذه العلاقات تعبِّرُ تعبيرًا دقيقًا عن معنى الكلمة التي يمكن أن ترد به في أحد السياقات اللغوية. إذ يمكننا الاعتماد عليها في معرفة معنى الكلمة داخل سياقها. وإذا أردنا التعامل مع الحقول الدلالية، وتوزيع الكلمات عليها، فلابدَّ من تحديد الحقول الدلالية أولًا، ثمَّ تفريع الحقول الدلالية الرئيسة إلى حقوق دلالية فرعية.

بذلك يُصبح لدينا عدد محدود ومحصور من الحقول الدلالية الفرعية. نبدأ بعدها في توزيع الكلمات على الحقول الفرعية، بحيث لا تظهر الكلمة إلا في حقل دلالي واحد فقط. وتأخذ كل كلمة قيمتها الدلالية من موقعها في شبكة العلاقات الدلالية؛ إذ يمكننا الاستدلال على معنى الكلمة بمعرفة موقعها في الشبكة، والكلمات التي تترابط معها، وطبيعة العلاقات الدلالية التي تترابط بها، فاختلاف موقعها في الشبكة يعني اختلاف الكلمات التي تترابط معها، ومن ثمَّ اختلاف معناها أو دلالتها.

وقد كان هناك محاولات خجولة من اللغويين المحدثين لتعيين دلالات ألفاظ اللغة العربية التي تترابط فيما بينها دلاليًا ومنطقيا، فحاولوا رصدها وتصنيفها وفق اعتبارات معينة، ويمكننا الاستفادة منها عند معالجة اللغة العربية حاسوبيًا من خلال تخزينها في قواعد بيانات ليتمكن الحاسوب من فهمها. (انظر: البسومي، 2015م، ص368)

السمات الدلالية للكلمات:

تُبرز نظرية السمات الدلالية (التحليل التكويني) السماتِ الداخلية للكلمة، إذ تحلل الكلمة إلى مكونات وعناصر متعددة. فالكلمات داخل الحقل الدلالي الواحد تشترك في بعض السمات، لكن في الوقت نفسه تتميز كل كلمة بسمات خاصة لا توجد في كلمات أخرى غيرها، فالاشتراك يُظهر العلاقات بين الكلمات، والتميز يبين الفروق. فالكلمة عبارة عن مجموعة من السمات التي تتفق مع سمات كلمات أخرى، فتتكون التراكيب، ويمكننا التحكم في هذه الكلمات ووصفها بشكل رياضي. ويستطيع الإنسان أن يمثل هذه السمات الدلالية في نموذج من الجداول، يكتب في الجداول رأسيًا الألفاظ التي تنتمي إلى حقل دلالي واحد، ويكتب أفقيًا السمات التي تشتمل عليها هذه الألفاظ. (عشري، 2013م، ص142-144) كما في الجدول رقم (1)

الكلمة حي إنسان ذكر بالغ عاقل
رجل + + + + ±
امرأة + + + ±
ولد + + + ±
بنت + + ±

الجدول رقم (1)

كل سمة من السمات تستلزم ما بعدها من سمات؛ وندرك ذلك عندما نحاول تحديد السمات الدلالية لاسم من الأسماء، فنقول إنَّ سمته (+اسم) ومن الأسماء (+حي) فيدخل “طفل، ولد، بنت، جمل، فيل…إلخ)، ومن الأسماء كذلك (-حي) مثل (نافذة، كرسي، قلم، حائط…إلخ) وسمة (+حي) تستلزم سمة (+إنسان) مثل (طفل، ولد، بنت) وسمة (-إنسان) مثل (جمل، فيل، قط)، وسمة (+إنسان) تستلزم سمة (+ذكر) ثم سمة (+صغير) وهكذا.

تتفاوت السمات الدلالية في درجة أهميتها. هناك سمات دلالية أساسية تقوم بمهمة تمييزية، وهناك سمات ثانوية أو غير تمييزية. فالحجم ليست سمة أساسية في الإنسان، فقد يكون سمينًا أو نحيلًا، ولكنه يبقى إنسانًا. لذلك فإننا عندما نتحدث هنا عن السمات الدلالية، فإننا نتحدث عن السمات الأساسية؛ لأنها هي التي تحقق التمييز بين الكلمات أو بين المدلولات أو بين المعاني، بينما السمات الثانوية لا تقوم بدور تمييزي، لذلك فهي سمات غير وظيفية. (الخولي، 2001م، ص 200-202)

نحتاج إلى دراسة كل كلمة وما يتوارد معها من كلمات أخرى، لأن لكل كلمة خصائص تحدد ما قد يصاحبها أو يليها من الكلمات التي تساعد على أداء وظيفتها الدلالية في فهم الكلام. إنَّ ذلك يعني أننا إذا أردنا إخضاع الجملة للحوسبة، فعلينا أن نسجل مع كل كلمة مركزية الكلمات التي ترتبط بها، ويمكننا تحديد أنواع نحوية معينة لتكون كلمة مركزية، وأنواعًا نحوية أخرى ترتبط بها وتكون مكملة لها. ففي الجملة الفعلية يكون الفعل هو الكلمة المركزية، والفاعل المكمِّل، ونحدد الكلمة المركزية والمكملات في جميع التراكيب، ثم نحصي المكملات التي ترد في نصوص اللغة مرتبطة بهذه الكلمة المركزية. (عشري، 2013م، ص145)

تمكِّننا السمات الدلالية من تكوين علاقات بين الفعل وفاعله ومفعوله؛ فالفعل (مشى) من المجموعة الدلالية التي تفيد (الحركة والانتقال) يمكن أن يستجيب لعلاقة على سبيل الفاعلية مع كل كلمة تدل على (كائن حي يتحرك) مثل: الرجل، المرأة، البنت، الجمل، الحمار، الحصان… إلخ. وهذا الجانب يدرسه المعجم، ولذلك يحسن أن توضع معاجم دلالية خاصة تحدد الحقل الدلالي للكلمة. وكل مادة معجمية لها معنى بناء على أساس المعلومات الدلالية المعدة في المعجم.

ويمكننا تصنيف الأفعال إلى مجموعات، كل مجموعة منها يصلح لها فاعل معين، بحيث إذا ذُكر الفعل توقعت الآلة بعد ربط قواعد بيانات سمات الأفعال بقواعد بيانات سمات الأسماء (الفاعل والمفعول به) أن يكون فاعله محصورًا في دائرة محددة من الأسماء، إذ يكون لهذا الفاعل عدة صفات مأخوذة من دلالة الفعل نفسه، وله مفعول به معين، وله صفات مأخوذة من الفعل والفاعل معًا إذا كان الفعل متعديًا؛ إذ يتعدى بعض الأفعال بنفسه أو بأداة، ونوع التعدية يساعد في فك اللبس الدلالي؛ فبعض الأفعال (ذات التعدد الدلالي) تتعدى بأداة فيختلف معناها إذا تعدت بنفسها.

بمعنى آخر لكل فعل معناه الأساسي (المعجمي) الذي وُضع له ابتداءً، ويتحقق هذا المعنى (المعجمي) باستخدام الفعل وفقًا لسماته الدلالية، كما في: (ضرب خالدٌ زيدًا)، فالضرب هنا بمعنى إيقاع شيء على شيء. ولكن عندما نقول: (ضرب خالدٌ مثلًا) يكون (ضرب) هنا مجازيا؛ لأن مفعولها ليس صالحا لإيقاع شيء عليه. من هنا فإن تجاهل قوانين السمات الدلالية للكلمات يُخرج استعمالها من المعنى (المعجمي) إلى المعنى المجازي. هذه بعض سمات الأفعال التي يقترح الباحث اعتمادها عند بناء المعجم اللغوي الحاسوبي: انظر الجدولين رقم (2) (3)

 

الفعل متعدي مستمر حركة حالة فاعل حي فاعل إنسان فاعل جمع مفعول متحرك مفعول جمع مفعول جملة
شرِب + + + ± ± ±
كتب + + + + ± ±
أطفأ + + + ± ±
سافر + + + ± ±
نام + + ± ±
بعُد + + + ± ± ±
أثمر + ±
أطعم + + + ± ± + ±
أراد + + + ± ± ± ±
أحصى + + + + ± ± +

جدول رقم (2) سمات الأفعال

الاسم حي إنسان متحرك محسوس معدود معرَّف مذكر مفرد
خالد + + + + + + + +
كرسي + + + +
ظلم + +
فاطمة + + + + + + +
غلامان + + + + +
أسد + + + + + +
الرياض + +

جدول رقم (3) سمات الأسماء

تتوقع الآلة أنَّه بمجرد ورود الفعل (كَتَبَ) أن الفاعل (±حي، +إنسان، ±مذكر، +كبيرا “ليس طفلًا رضيعًا)[4]. “إذن كل كلمة لها شرط اختيار خاص بها، فإذا اجتازت هذا الشرط الاختياري صحت العلاقة النحوية والدلالية معًا، وإذا لم تجتزه لم تصح العلاقة”. (عبد اللطيف، 2000م، ص76)

ففي جملة (سافر الرياض من خالد إلى القاهرة) ستعتبرها الآلة جملة غير مفيدة، لأن كلمة (الرياض) وقعت فاعلًا للفعل (سافر) الذي يحتوي على سمة[5] (+حركة)، بينما الرياض (-حركة) وعلى الرغم من صحة نمط تركيب الجملة (فعل + اسم + حرف جر + اسم مجرور + حرف جر + اسم مجرور) إلا أنها جملة غير مقبولة، لأنها لم تخضع لقاعدة الملاءمة بين سمات (الاسم الفاعل، والفعل). (زكريا، 1986م، ص9 – 10)

صعوبات تواجه اعتماد نظرية الحقول الدلالية في المعالجة الآلية:

هناك صعوبات تواجه اعتماد نظرية الحقول الدلالية في فك اللبس الدلالي عند المعالجة الآلية للمستوى الدلالي، منها:

– أنَّ تقسيم اللغة إلى مجالات لا يخضع لترتيب موحد، وإنما هي محاولات، لا ترتكز على قاعدة محددة تربط عدد مفردات التعبير بعدد المفاهيم المعبرة، إذ يمكن لكلمة واحدة أن تتضمن عدة مفاهيم، في الوقت الذي تكون فيه مجموعة كلمات لا تنطوي إلا على مفهوم واحد لا أكثر. ويمكننا التغلب على ذلك بأن تُضاف الكلمة إلى كل مفهوم يمكن أن تعبر عنه، وتظل الكلمات التي تعبر عن مفهوم واحد تحت هذا المفهوم.

– التعديلات التي تطرأ على المفاهيم؛ إنَّ كل تغيير على مستوى المفاهيم ينعكس على مستوى الكلمات التي تعبر عنه، ومن ثمَّ لابدَّ أن تخضع الحقول لإعادة النظر، بل إنَّ الصلات المعنوية التي تقع بين وحدة معجمية ووحدات معجمية مجاورة تتغير دائمًا بمرور الزمن، ومع كل توسيع لمعنى وحدة معجمية يحدث تضييق المعنى لوحدة معجمية أخرى أو لكثير منها. وللتغلب على هذه الصعوبة فإننا نزود الحاسوب بالحقول الدلالية المختلفة، ثمَّ نمدُّه بالتغيرات كافة التي تطرأ عليها.

– من المستحيل أن نرسم خطّا واضحا بين كلمة أو جملة، وبين كل المعلومات ذات العلاقة بها. (عشري، 2013م، ص142-143).

أهمية الإعراب في فهم المعنى:

يقول ابن قتيبة: “الإعراب الذي جعله الله فارقًا في بعض الأحوال بين الكلامين المتكافئين، والمعنيين المختلفين، كالفاعل والمفعول، لا يُفرَّق بينهما إذا تساوت حالاهما في إمكان الفعل أن يكون لكل واحد منهما إلا الإعراب، ولو أنَّ قائلًا قال: هذا قاتلٌ أخي بالتنوين، وقال آخر: هذا قاتلُ أخي بالإضافة، لدلَّ التنوين على أنه لم يقتله، ودل حذف التنوين على أنه قتله” (ابن قتيبة، 1973م، ص14)

ويتحدث عبد القاهر الجرجاني عن أهمية الإعراب، وأنه مفتاح معاني الألفاظ، “وأن الأغراض كامنة في الألفاظ حتى يكون الإعراب هو المستخرج لها، وأنَّه المعيار الذي لا يتبين نقصان الكلام ورجحانه حتى يُعرض عليه…، لا يُنكر ذلك إلا من ينكر حسَّه، وإلا من غالط في الحقائق نفسه” (1992م، ص28)

التعرّف الآلي على موضوع النص:

من الأمور المهمة في فك اللبس الدلالي حاسوبيًا تحديد حقل النص الذي سيُعالَج آليًا، ومجال تخصصه؛ مثلا إذا كان النص في علم الكيمياء فإن بعض الكلمات تختلف معانيها في هذا النص عن معانيها لو وردت في نص السياسة أو الاقتصاد، وبالتالي يختار الحاسوب المعنى من الحقل الدلالي المناسب لموضوع النص الذي سيعالجه، وسيتخلص من كثير من المعاني التي تحملها الألفاظ ولكنها بعيدة عن موضوع النص. (خضر، 2008م، ص 3)

وقد طُوِّرتْ برامج وتطبيقات تساعد الحاسوب في تعرف الموضوع العام للنص المكتوب، فيمكن للحاسوب استعمال قرائن تساعده في معرفة مادة النصوص؛ هل هي اقتصادية أو علمية أو سياسية، أو رياضية، وإن كانت رياضية، فهل هي في موضوع كرة القدم أو السباحة أو ألعاب القوة.

إن تحديد موضوع النص الذي تعالجه الآلة يساعد على تحديد معنى الكلمات المستعلمة في الجمل والتعبيرات، ومن ثمَّ الوصول إلى نتائج أكثر دقة؛ فعند تحليل نص طبي آليًا، فإن المعنى المتوقع لكلمة (عين) هو (العين الباصرة)، إذ يستبعد الحاسوب المعاني الأخرى الممكنة لكلمة عين.

أثر السياق النحوي في الفهم الآلي للمعنى:

تتوالى الكلمات في الجمل على نسق مرتب، وتخضع في ترتيبها إلى أنساق تركيبية مطَّردة، وعلاقات داخلية معينة تشكل في مجموعها قواعد التركيب النحوي على وفق مقتضى السياق. وفي اللغة العربية قواعد تركيبية خاصة للعلاقات النحوية، مثل:

(المبتدأ + الخبر) و(الفعل + الفاعل) و(الفعل + الفاعل + المفعول به) و(الفعل + الفاعل + الظرف) و(الفعل + الفاعل + الحال) و(المضاف + المضاف إليه) و(المنعوت + النعت) و(الاسم + تمييزه) إلى آخر هذه التوزيعات الوظيفية المختلفة. وهذه الأنماط محددة، وكلِّية، غير أنها يتخرج عليها ما لا ينحصر من الصور الجزئية.

فالسياق يُنتج المعنى الذي تؤديه المنظومة القواعدية التي يتكون منها النص من وجهة نظر نحوية…، إنَّ التغيير في البنية النحوية، وعلاقات الكلمات ووظائفها ومواقعها في الترتيب يمكن أن يبدل في المعنى. ويؤدي إلى نتائج غير صحيحة عند معالجة اللغة العربية آليًا. ففي قولنا (كي زيدٌ يأتيك) فُصلت بعض عناصر بناء الجملة عن بعضها الآخر؛ فلم توضع الموضع الصحيح الذي يحدده لها نظام اللغة العربية، فجاءت الصورة المنطوقة وقد اختل بها شرط الورود النحوي بحث صار (كي + اسم) وهذا تركيب غير مسموح به في نظام العربية، ولكنَّه لا يؤدي إلى خلل معنوي في صحة العلاقات بين أجزاء الجملة، فالدلالة هنا مفهومة، ولم تتأثر بالخلل النحوي الذي طرأ على بناء الجملة، (انظر: عبد اللطيف، 2000م، ص65-75).

وابن اللغة قادر على إدراك معنى الجملة السابقة وإن اختل تركيبها النحوي، بخلاف الآلة التي زُوِّدت بجميع البنى التركيبية الممكنة التي يحتملها القياس، إذ تخزّن الآلة هذه البنى التركيبية في صورة صيغ رياضية، وتقيس عليها أنماط التراكيب اللغوية التي تُعالجها. فما خالف القياس لن تفهمه الآلة.

التشكيل الآلي للنصوص المكتوبة:

من مشكلات حوسبة اللغة العربية غياب ضبط كلماتها بالشكل غيابًا كليًا أو جزئيًا. ومع وجود محاولات جادة لتطوير برامج للشكْل الآلي لنصوص اللغة العربية غير المشكولة، فإنَّ أقصى دقة يمكن أن تبلغها تلك التطبيقات هي 95% ويزيد الخطأ عن 5% بكثير بالنسبة لشكل أواخر الكلمات. “كما أن ندرة استعمال علامات الوقف والفواصل في النصوص العربية يضيف تعقيدًا آخر للنص العربي” (خضر، 2008م، ص 20).

التحليل بمساعدة الإنسان:

تُعطي الآلة معنى كلمة معينة داخل السياق، وتتوقع منّا أن نوافق على المعنى المقترحة أو نرفضه ونقترح المعنى الصحيح، ثم تربط الآلة المعنى الصحيح الذي وافقنا عليه أو اقترحناه بالكلمة داخل السياق، وتدرس علاقة الكلمة بعد ربطها بالمعنى بما يسبقها أو يليها من وحدات لغوية، إذ ترتبط فيما بينها بواسطة علاقات متباينة، على مستويات متنوعة. ثم تستعمل الآلة تلك المعلومات بوصفها معلومات لما يأتي من جمل لاحقة، فتزداد خبرة الآلة كلما استُعمِلتْ في التحليل أو الترجمة، إذ تخزن ما اكتسبته من خبرات لاستعمالها مستقبلًا. وتستفيد من أخطائها ولا تكررها.

قواعد البيانات المقترحة[6]:

تتطلب المعالجة الدلالية الآلية للغة العربية أن نأخذ أمرين في الاعتبار، هما: ضرورة الاستناد إلى إطار لساني صوري قادر على توصيف مستويات اللغة الهدف. وضرورة الاعتماد على مقدار كبير من المعلومات التي ترتَّب وتبوَّب أساسًا انطلاقًا من قواعد بيانات آلية. ولإيجاد حلول ناجحة للكثير من المشكلات التي تواجه المعالجة الدلالية الآلية للغة العربية نحتاج إلى بناء معاجم آلية حديثة تأخذ في الحسبان خصائص الكلمات ومدلولاتها. وألَّا نغفل قضايًا الترادف، والمشترك اللفظي، والتضاد، وغيرها من العلاقات الدلالية، لما لها من قيمة مضافة تتمثل في إزالة اللبس الدلالي والتركيبي. (حمادة ومهديوي، 2014م)

عند معالجة النصوص المكتوبة في اللغة العربية فإننا بحاجة إلى تحليل النصوص تحليلا صرفيًا، ونحويًا، ودلاليًا للمفردات، وتجمعات الكلمات، والكلمات المصاحبة، والتعبيرات الاصطلاحية، والتراكيب الموجودة في المدونات اللغوية المحوسبة بوساطة برامج وتطبيقات إحصاء الكلمات، والأساليب الواردة في المدونة، ومن ثَمَّ حصر معاني الكلمات والأساليب بالنظر إلى نسبة ورودها، مع إهمال النادر والشاذ منها. تأتي بعد ذلك مرحلة تصنيف المادة المعجمية المستخرجة من المدونات في حقول دلالية معدَّة مسبقًا. فنجمع -مثلا- المترادفات تحت حقل دلالي واحد. ثم نحدد السمات الدلالية لكل حقل:

الهوى: ميل النفس، يُستخدم للحب المذموم، يستخدم للحب الممدوح استعمالا مقيدًا.

الشغف: الحب الشديد.

الوجد: الحب، يتبعه مشقة في النفس، يصحبه تفكير وحزن.

العشق: فرط الحب.

الود: خالص الحب ولطفه، يصحبه رأفة ورحمة.

مواصفات قواعد المعلومات:[7]

1- أن تكون محافظة على سلامة اللغة، متمشية مع تقدم العلوم، والفنون.

2- أن تصنَّف الألفاظ تصنيفًا هرميًا كونيًا، تُذكر فيه المعاني متدرجة من الأصلي إلى الفرعي، ومن الحسي إلى المعنوي، ومن المألوف إلى الغريب، ومن العام إلى الخاص، ومن الموضوعي إلى الذاتي… إلخ.

3- أن تحدد جذر اللفظ ومشتقاته.

4- تحيط بمدلولات الألفاظ؛ المدلول الحقيقي والمجازي، والمحيط الخاص بكل لفظ.

تتضمن العمليات التمهيدية لمعالجة نصوص اللغة العربية آليًا إجراء عمليات عديدة منها:

1- المعالجة الكتابية للنص فيما يتعلق بالهمزات، والهاء آخر الكلمة، والتاء المربوطة، والشكْل.

2- تجزئة الكلمة إلى سوابق ولواحق، وتحديد أجزاء كل منها إن وجدت، كألف لام التعريف، وحروف العطف، وحروف الجر المتصلة، والضمائر، وعلامات الإعراب، وتحديد جذر الكلمة ووزنها الصرفي.

3- الرجوع إلى قواعد تغيير كتابة الكلمة بعد إلحاق بعض الضمائر المتصلة، مثل: كلمة مكتبة – مكتبتهم، وأعلى – أعلاه.

4- تحديد فيما إذا كان العدد المتضمَّن ضمن الكلمة مفرداً أو مثنى أو جمعاً، وتحديد علامة ذلك، كالألف والنون أو الواو والنون، وغيرها.

5- حل بعض المشاكل المتوقعة لوجود أكثر من احتمال في تحديد الكلمة المراد ترجمة معناها، مثل الكلمات التي تعطي أكثر من معنى باختلاف الشكل، كأن يكون الفعل مبنياً للمجهول أو للمعلوم أو أن يكون اسماً أو فعلاً مثل كَتَب – كُتِب – كُتُب.

مكونات بناء المحلل الدلالي الآلي:

تبدأ عملية معالجة النصوص العربية “بتفكيك الكلمة إلى مكوناتها من سوابق ولواحق؛ كحروف العطف والجرِّ، وعلامات الإعراب، والضمائر المتصلة وغيرها، وتطبيق قواعد الصرف على الكلمات ومعرفة وزنها الصرفي، وفيما إذا كانت مصدرًا أو اسم آلة أو غيرها. ولكن غياب الضبط بالشكل يجعل المهمة أصعب، ووجود أكثر من احتمال للتفكيك أو الشكل يجعل المهمة أعقد. ففي بعض الأحيان يصعب التمييز بين أن يكون الحرف في الكلمة حرفًا زائدًا، كحرف جر أو حرف عطف أو أن يكون حرفًا أصليًا، فمثلًا كلمة (أهلك) هل هي فعل ماضٍ من الهلاك، أم هي للمخاطب من الأهل؟ (خضر، 2008م، ص8)

1- المعجم الآلي:

ويضم قاعدة بيانات معجمية تضم جميع المعطيات اللازمة لتحديد معنى الكلمة، وخصائصها الصرفية والنحوية والدلالية اعتمادًا على السياقات الواردة في نصوص مدونة لغوية تُحدث بشكل مستمر، مع إضافة المصاحبات اللغوية لكل معنى من معاني الكلمة. انظر إلى الجملة التالية ومعطياتها:

حاول محمدٌ ترويض الأسد فافترسه

هذه جملة ثنائية التركيب مكونة من جملتين؛ الأولى واضحة المعنى، أمّا الثانية فتحتمل:

افترس محمد الأسد أو افترس الأسد محمدًا

وبالرجوع إلى المعطيات المخزنة في المعجم الدلالي نجد أن الجملة الثانية هي الصحيحة. إذ نجد المعطيات التالية في المعجم الدلالي.

الفعل الفاعل المفعول به النتيجة
افترس حيوان مفترس كائن حي الموت

وأيضا سيرفض النظام الجمل التالية:

افترس الأسد الكرسي لأن الكرسي ليس كائنًا حيًا
افترس الأرنب محمدًا لأن الأرنب ليس حيوانًا مفترسًا
افترس النمر الباب لأنه يوجد علاقة رابطة بين النمر والأسد وهي الافتراس

ورد للفعل (ضَرَبَ) معان كثيرة في معاجم اللغة العربية، أحصى منها المعجم العربي الأساسي أكثر من ستة عشر معنى[8]. وتأتي (ضرب) بمعنى (عاقَبَ) في قوله تعالى: “وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ” النساء 34. وتأتي بمعنى (سعى لطلب الرزق) في قوله تعالى: “وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ” المزمل 20، والذي دعم هذا المعنى هو الابتغاء المرتبطة غالبًا بطلب الرزق. وتأتي بمعنى (ذَكَرَ) في قوله تعالى: “ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَجُلا” الزمر 29، والذي يسند هذا المعنى هو كلمة (مثلًا)، فالمثل يذكر من أجل النصح والتوجيه. وتأتي بمعنى (أقام) في قوله تعالى: “ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ” آل عمران 112، وتأتي بمعنى (أنام) في قوله تعالى: “فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا” الكهف 11، بدليل استعمال الأذن، إذ أن النائم لا يسمع عندما ينام. وتأتي بمعنى (أعرض وأهمل) في قوله تعالى: “أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا” الزخرف 5، ويعضد هذا المعنى كلمة (صفحًا) التي تعني الإعراض بصفح الوجه.

يتم بناء خوارزمية حاسوبية تدير عملية ربط العلاقات الدلالية بين الكلمات. فعند عرض الجملة التالية: (أكل الرجل الطاولة) على خوارزمية ربط العلاقات الدلالية، فإنَّ الخوارزمية تنظر في شبكة العلاقات الدلالية الموجودة ضمن قواعد بيانات المعجم الآلي، فتجد أن الفعل (أكل) يرتبط بالطعام، فيُحاول أن يجد كلمة (كرسي) في الشجرة الخاصة بالطعام، فلا يجدها، فيرفض الجملة. أيضًا يمكن للخوارزمية أن تزيل بعض أنواع اللبس في حالات عود الضمير، كما في المثالين التاليين:

(شرب محمد العصير لأنه لذيذ) (شرب محمد العصير لأنه ظمآن). فتنظر الخوارزمية في صفات الاسم العلم (محمد) فتجد في صفاته (ظمآن، جائع، عضبان، سعيد…إلخ) ولا تجد من صفاته أنه (لذيذ) وهي صفة موجودة ضمن صفات العصير. (عابد، 1999م، 223-231)

قاعد البيانات النحوية:

وتضم قاعدة البيانات النحوية قواعد النحو العربي، وقيود انتقاء الدلالات التي تضمن توافق الأفعال مع عناصر إسنادها، وتوابعها، ومكملاتها، وتوافق الأسماء مع مكوناتها، وتوابعها، وملحقاتها. قد تكون عناصر الإسناد أو المكملات قاطعةً وحدها في فكِّ اللبس الدلالي، كما في قولنا: (قتله بحثًا)، فكلمة (بحثًا) دليل قاطع على أنَّ معنى (قَتَلَ): (درس الموضوع من جميع جوانبه)، وليس (أماته أو أضاعه).

– بناء محلل صرفي آلي:

يتم تحليل كلمات النص الأصلي صرفيا؛ لمعرفة نوعها واشتقاقاتها، وقد قطع الحاسوب في هذه المرحلة في اللغة العربية شوطا كبيرا؛ نظرا لمحدودية القواعد الصرفية، وأصبحت هناك برامج قادرة على التحليل الصرفي للكلام بنسبة تصل إلى أكثر من تسعين بالمئة. وتكمن المشكلة في التعبيرات الاصطلاحية؛ فهي في الغالب تعتمد على عرف المجتمع في تسمية الأشياء، وعلاج هذا أن تكون هناك قاعدة بيانات ضخمة من الاستعمال البشري لهذه المصطلحات، وما زالت مثل هذه القواعد المهمة قليلة في خدمة تقنيات اللغة العربية.

الإفادة من المدونات في بناء نظام حاسوبي لمعالجة المعنى:

قد يكون للكلمة الواحدة – كما أسلفنا – أكثر من دلالة، وكل دلالة ترتبط بتركيب لغوي معين أو أسلوب بلاغي يميزها عن بقية الدلالات. ولا يمكن التحقق من هذه الدلالة إذا ما نُظِرَ إلى الكلمة بوصفها وحدة معجمية مفردة. وهنا يأتي دور المدونات اللغوية في حصر السياقات التي وردت فيها الكلمة بهذه الدلالة، واسترجاعها. فتكشف البيانات التي تقدمها المدونات اللغوية الاختلاف في معاني الكلمات باختلاف تراكيبها النحوية، ومواقعها في السياق. وتقدِّم لنا إحصاءات بتكرار تردد الكلمات، ومن ثمَّ يمكننا التمييز بدقة بين ما هو مألوف، وما هو غريب، وما هو محتمل، وما هو ممكن من الكلمات.

إذ يمكن للباحثين البحث في ملايين الكلمات والجمل، وسياقاتها المختلفة، واسترجاع الأمثلة كافة التي وردت بها، وتحري استخداماتها، وحصر المصطلحات والكلمات التي ترد قبلها وبعدها، ومن ثمَّ يمكن تحديد التلازم اللغوي، والتعبيرات الاصطلاحية بسهولة ويسر.

ينبغي أن تعكس المدونات الصورة الواقعية الصحيحة للغة العربية التي تُستخدم بواسطة معظم متحدثيها. وأن تكون كبيرة ومتنوعة؛ فتغطي نطاقًا متنوعًا من نصوص اللغة العربية، لنتمكن من التحقق من الكلمات نادرة الاستخدام أو قليلة التكرار. وأن تكون متوازنة في موضوعات نصوصها، غير متحيزة لفئة معينة من النصوص أو نوع على حساب غيره، حتى لا تفتقد النتائج المسترجعة إلى الدقة والموثوقية. (انظر: الدكروري، 2018م، ص 39-45)

الفهرسة الآلية للمدونات:

تقدم لنا الفهرسة الآلية البيانات الإحصائية عن الألفاظ التي تحتوي عليها المدونة اللغوية المحوسبة، كما يمكننا من خلال الفهرسة الكشف عن خصائص الألفاظ التي تتكون منها المدونة، والبحث عن مفردات محددة، وحصر تردداتها، وحصر السياقات، والتراكيب التي ترد فيها هذه الألفاظ، وكذلك الكشف عن المتلازمات اللفظية، والتعبيرات الاصطلاحية، ويمكن الاستفادة من الفهرسة الآلية في مجال الدراسات الدلالية، والتحليل الدلالي، وتويع الحقول الدلالية لألفاظ النصوص الموجودة في المدونة، وبيان هل اللفظ ذو دلالة واحدة أم له أكثر من دلالة؟، ونسبة ورود كل معنى من معاني اللفظ إذا كان متعدد الدلالة. (أبو شوشة، 2015م، ص 48-49)

تعتمد الفهرسة الآلية على أدوات حاسوبية يطلق عليها الكشافات السياقية أو المفهرسات الآلية، ومن أشهرها: أداة معالجة المدونات العربية (غوَّاص) الذي طُوِّرَ في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، ويتوفر في غواص العديد من الوظائف المساعدة في دراسة المدونات، ومن أهمها:

– تقديم معلومات عامة عن المدونة اللغوية، تشمل عدد النصوص، وعدد الكلمات الكلي (حجم المدونة)، وعدد الكلمات بدون تكرار.

– استخراج قوائم التكرار، والتكرار النسبي، وتكرار النصوص، والتكرار النسبي للنصوص التي وردت فيها الكلمات والمتتابعات اللفظية.

– استخراج المتلازمات اللفظية لكلمة أو متتابعة لفظية معينة باستخدام طرق إحصائية مختلفة.

– البحث عن كلمة حسب رسمها الإملائي أو بحسب جذعها.

– البحث عن كلمة أو متوالية لفظية حسب موضع حرف أو حروف منها. (الشمري والثبيتي، 2019م، ص 98-99)

– حصر السياقات والتراكيب التي ترد فيها الألفاظ.

المدونة اللغوية العربية العالمية لمكتبة الإسكندرية:

موقع المدونة اللغوية العربية العالمية لمكتبة الإسكندرية، هي إحدى المحاولات الحقيقية الطموحة لبناء مدونة لغوية للعربية المعاصرة تحوي 100 مليون كلمة محللة صرفيا ونحويا ودلاليا، وقد روعي فيها أن تكون ممثلة لقطاع إقليمي كبير من الدول الناطقة باللغة العربية المعاصرة وعاكسة بشكل حقيقي وواقعي لأنماط استخدام اللغة العربية المعاصرة في أنحاء العالم العربي. بمجرد الانتهاء من بناء المدونة ستكون أول مدونة محللة ومتاحة كمورد لغوي للباحثين بصفة عامة والباحثين اللغويين بصفة خاصة لتفيد في وصف نظريات اللغة من خلال الاستخدام الواقعي للكلمات.

لقد روعيت العديد من الأمور المرتبطة ببناء المدونة مثل التمثيل الجيد للنصوص في العربية المعاصرة والتنوع في فئات النصوص ومحتواها والتوازن بين كل فئة من النصوص وحجم الكلمات المجمعة في كل فئة من فئات التجميع. عند النظر إلى تمثيل العربية المعاصرة داخل المدونة نجد أن الاهتمام الأساسي هو التغطية والتمثيل الواقعي لمختلف المصادر من كل المجتمعات العربية. فشملت المدونة عددا من المصادر والفئات المختلفة للنصوص وذلك بهدف تحقيق شروط التمثيل الجيد ومدى انتشار المصدر أو الفئة، والتوازن بين كل مصدر وكل فئة، وحجم الكلمات في كل مصدر وفئة. ويوجد أربعة مصادر أساسية: الصحافة والمقالات الإلكترونية والكتب والدراسات الأكاديمية.[9]

مراحل فحص النصوص باستخدام الكشاف السياقي:

– اختيار اللفظة المطلوبة، وتحديد طريقة البحث (من خلال الجذر أو الجذع أو الساق أو بحث مطابق).

– تحديد خيارات البحث وهي: (عدد الكلمات قبل اللفظة المطلوبة أو بعدها، قسم الكلام: اسم/ فعل/ صفة/ ضمير/ أداة، قسم اللفظة الفرعي: اسم/ حال/ ظرف زمان/ ظرف مكان/ اسم فعل، الوزن الصرفي: ويضم قائمة بمعظم الأوزان الصرفية، العدد: مفرد/ مثنى/ جمع، النوع: مذكر/ مؤنث، التعريف: معرفة/ نكرة، الدولة).

شكل رقم (6) واجهة محلل مدونة

– قائمة تظهر السياقات اللغوية التي وردت فيه اللفظة بشكل عام في نصوص المدونة.

– قائمة تُظهر عدد مرات تكرار كل معنى من معاني اللفظة، وتتم بمساعدة بشرية.

أهمية فك غموض المعنى آليًا لبناء المحلل الصرفي:

تقدِّم المحللات الصرفية اعتمادا على خوارزميات حاسوبية، وقواعد بيانات جميع الاحتمالات الصرفية الممكنة للكلمة المراد تحليلها صرفيًا، إذا كانت طريقة إدخال البيانات للمحلل تعتمد على إدخال كلمة واحدة فقط. أما إذا كانت طريقة إدخال البيانات للمحلل الصرفي تعتمد على تحديد كلمة من خلال نص معين ليقوم المحلل بإجراء عملية التحليل الصرفي لها، فإنَّه في هذه الحالة لا يكون للكلمة المراد تحليلها صرفيا سوى تحليل واحد فقط، لأن المعالجة الآلية ينبغي أن تأخذ المعنى في الاعتبار، والذي هو بدوره يرتبط بالسياق، وهنا تأتي أهمية فك اللبس الدلالي عند معالجة اللغة العربية آليًا من خلال تحليل الكلمات صرفيًا، خاصة إذا كانت هذه الكلمة من الكلمات ذات التعدد الدلالي، والتي تحتمل أكثر من دلالة، ربَّما ترتبط كل دلالة من هذه الدلالات بتحليل صرفي مختلف عن الدلالة الأخرى.

لذا ينبغي أن تُربَط تطبيقات التحليل الصرفي الآلي بمحللات دلالية آلية، تُمكِّن المحلل الصرفي الآلي من تحديد المعنى المقصود من الكلمة قبل تحليلها صرفيًا. (أبو شوشة، 2015م، ص 110) عند تحليل كلمة (بلَّ) في جملة (بلَّ ثيابه بالماء) باستخدام محلل الخليل الصرفي الآلي – انظر الشكل رقم (8)، لم يتمكن المحلل من تحديد نوع الكلمة؛ فذكر تحليل الكلمات التالية: (بَلٌّ) مصدر أصلي، و(بَلَّ) فعل ماض مبني للمعلوم، و(بُلَّ) مبني للمجهول، و(بِلَّ) فعل أمر، و(بَلْ) حرف عطف؛ إذا لم يتمكن المحلل الصرفي من تحليل الكلمة بالاعتماد على سياقها.

النتائج والتوصيات:

1- قدَّم الباحث مجموعة من المقترحات التي تخدم حوسبة المستوى الدلالي في اللغة العربية.

2- لا يوجد سوى عدد قليل من البحوث والمشاريع التي تناولت موضوع معالجة أثر ظاهرة غموض المعنى عند معالجة اللغة العربية آليًا.

3- لم يُفرِّق علماء العربية القدامى بين ظاهرتي الاشتراك اللفظي والتعدد الدلالي، بل عدوهما ظاهرة واحدة، أسموها المشترك اللفظي.

4- أن أمن اللبس في حوسبة اللغة العربية (عند بناء المدونات اللغوية المحوسبة) غاية لا يمكن التنازل عنها أو إهمالها، لضمان بناء برامج دقيقة تمنح الحاسوب كفاية لغوية أشبه بكفاية ابن اللغة، لأن اللغة الملبسة (حاسوبيًا) لا تصلح لمعالجتها آليًا.

5- تتجلى أهمية بناء نظام حاسوبي لأمن لبس المعنى عندما يكون المتلقي للغة هو الآلة؛ فإذا أردنا أن يفهم الحاسوب لغتنا، فإننا نجعل ألفاظنا منظومة على ترتيب معين لا يكون للبس فيه مجال. فإن وُجِد اللبس نضع له ما يزيله. ومن وسائل أمس اللبس: الإعراب، والرتبة النحوية، والسمات الدلالية للكلمات، وغيرها.

6- تظهر صعوبة الفهم الآلي للمعنى في النصوص المكتوبة، إذ تفتقد تلك النصوص إلى الكثير من القرائن اللغوية وغير اللغوية التي يمكن أن تعين الآلة على الفهم والتحليل، كالتنغيم والحالة النفسية والاجتماعية…إلخ.

7- أنَّ السياق هو الذي يفرض قيمة واحدة بعينها على الكلمة، على الرغم من المعاني المتنوعة التي في وسعها أن تدل عليها، وهو الذي يحدد معنى الكلمة المناسب، ويعمد إلى إبعاد كل ما خلا من معاني ذهنية مرتبطة بهذه الكلمة دون السياق.

8- أنَّ فك لبس دلالة الكلمات، وفهم المعنى ذو أهمية بالغة في معظم تطبيقات اللغة الحاسوبية، فهي أساس للترجمة الآلية، والترجمة الآلية الفورية، وللبرامج الآلية لفهم الكلام، ولتحليل النصوص، وتلخيصها، وفهمها آليًا.

9- تعد مشكلة اللبس الدلالي من أهم المشكلات اللغوية وأكبر التحديات التي تواجه حوسبة اللغة العربية وخاصة الترجمة الآلية، والترجمة الفورية الآلية، وتحليل النصوص آليًا.

10- لا شكَّ أن اللساني يمثل الأساس في المعالجة الآلية للغة العربية، وعليه تقع مسؤولية جمع المادة اللغوية، وتصنيفها وتوصيفها، وبناء قواعد بيانات لغوية تساعد الحاسوبي في بناء برمجيات حوسبة اللغة العربية.

المراجع:

ابن جني، الخصائص، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط2، 2003م.
ابن قتيبة أبو محمد عبدالله بن مسلم بن قتيبة، تأويل مشكل القرآن، شرح: السيد أحمد صقر، دار التراث، القاهرة، ط2، 1973م.
ابن مالك أبو عبدالله محمد بن عبدالله، شرح الكافية الشافية، ج1، تح: عبد المنعم هريدي، مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي، مكة المكرمة، ط 1، د ت.
أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي، جمهرة اللغة، ط1، 1345هـ.
إحسان مصطفى أحمد عابد، التفهم الآلي للنصوص العربية، صحيفة دار العلوم للغة العربية وآدابها الإسلامية، ع13 م7، مصر، 1999م.
أحمد بلحوت، تأثيرات ظاهرة اللبس في الكلام على معرفيات النحو العربي وإحكامه، مجلة الكلمة، ع46، 2011م.
أحمد بن فارس بن زكريا الرازي أبو الحسين، الصاحبي في فقه اللغة العربية ومسائلها وسنن العرب في كلامها، تح: مصطفى الشويمي، بيروت، لبنان، 1964م.
أحمد عبد العظيم عبد السلام أحمد، الأثر الدلالي والسياقي في تعدد الأوجه الإعرابية -تفسير القرطبي نموذجًا-، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة القاهرة، 2014م.
أحمد مختار عمر، علم الدلالة، عالم الكتب، القاهرة، ط5، 1998م.
أحمد مختار عمر، معجم اللغة العربية المعاصرة، عالم الكتب، القاهرة، ط1، 2008م.
الأزهر الزنّاد، مراتب الاتساع في الدلالة المعجمية: المشترك في العربية: مادة “عين” نموذجًا، مجلة المعجمية، تونس، ع10، 1994م.
آلان بونيه، الذكاء الاصطناعي واقعه ومستقبل (172)، تر: علي صبري فرغلي، عالم المعرفة، 1995م.
أيمن الدكروري، المدونات اللغوية ودورها في معالجة النصوص العربية، مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز الدولي لخدمة اللغة العربية، دراسات 12، الرياض، ط1، 2018م.
بسيوني عبد الفتاح فيود، علم البيان دراسة تحليلية لمسائل البيان، المختار للنشر والتوزيع، القاهرة، ط4، 2019م.
بن أحمد بن علي، وليلى زيان، البعد الدلالي للفظ النبوي، مجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية، ع5، م 2، المركز الجامعي غليزان، الجزائر، أغسطس 2018م.
تمّام حسان، اللغة العربية معناها ومبناها، الهيئة المصرية للكتاب، د.ط، 1973م.
حسين محمد علي البسومي، منهج العلاقات الدلالية في فك اللبس الدلالي في اللغة العربية حاسوبيًا، مجلة جامعة المدينة العالمية، العدد 12، 2015م.
الراغب الأصفهاني، المفردات في غريب القرآن، ج1، مكتبة نزار مصطفى الباز، دت.
سامية بن يامنة، البعد الدلالي والتداولي للفظ الثوري في شعر مفدي زكريا، مجلة الدراسات الثقافية واللغوية والفنية، المركز العربي الديمقراطي، برلين، ع 13، م 4، 2020م، ص 154-167.
ستيفن أولمان، دور الكلمة في اللغة، تر: كمال بشر، مكتبة الشباب، القاهرة، ط3، 1972م.
سلوى السيد حمادة، المعالجة الآلية للغة العربية – المشاكل والحلول، دار غريب، القاهرة، 2009م.
سلوى السيد حمادة، وعمر مهديوي، المعالجة الدلالية الآلية للغة العربية – نحو بناء قاعدة بيانات معجمية للعلاقات الدلالية بين الكلمات، مقال في مدونة معجم اللهجات المحكية في المملكة العربية السعودية، تاريخ المقال: 28-12-2014م، تاريخ القراءة 24-9-2020م.
سيبويه أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر، الكتاب، تح: عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط3، 1988م.
السيد الشريف الجرجاني، التعريفات، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، 2003م.
شمس الدين محمود بن عبد الرحمن الأصفهاني، بيان المختصر – شرح مختصر ابن الحاجب، تح: علي جمعة، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، ط1، 2004م.
صبحي الصالح، دراسات في فقه اللغة، دار العلم للملايين، بيروت، 2007م.
عبد الحليم محمود أحمد أبو شوشة، التعدد الدلالي وأثره في المعالجة الآلية للغة العربية، رسالة دكتوراه غير منشوره، جامعة عين شمس، 2015م.
عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، تع: محمود محد شاكر، مطبعة المدني، القاهرة، دار المدني، جدة، ط3، 1992م.
عبد المجيد السوالقة، أمن اللبس وأثره في التطور اللغوي، رسالة دكتوراه غير منشورة، جامعة مؤتة، 2016م.
عشري محمد علي محمد، مبادئ المعالجة الآلية للغة العربية -الدلالة نموذجًا-، مجلة كلية الآداب – جامعة طنطا، مصر، ع26 ج1، 2013م، 127-162.
عقيل الشمري وعبد المحسن الثبيتي، استخدام المدونات الحاسوبية في التحليل اللغوي، نماذج من لغة الصحافة، مجلة القراءة والمعرفة، جامعة عين شمس، مصر، ع 207، 2019م.
علي أبولاجي عبد الرزاق، ظاهرة التعدد الدلالي في المعاجم العربية الحديثة: عرض ونقد، مجلة بحوث إسلامية واجتماعية متقدمة، ع2، ماليزيا، 2012م، 68-85.
علي القاسمي، إشكالية الدلالة في المعجمية العربية، مجلة اللسان العربي، ع46، 1998م.
فريد عوض حيدر، علم الدلالة – دراسة نظرية وتطبيقية، مكتبة الآداب، القاهرة، د ط، 2005م.
فندريس ج، اللغة، تر: عبد الحميد الدواخلي، محمد القصاص، د.ط، القاهرة، مكتبة الأنجلو، المصرية، 1950م.
كريم زكي حسام الدين، التحليل الدلالي إجراءاته ومناهجه، ج1، القاهرة، د.ط، 2000م.
كمال بشر، دراسات في علم اللغة، دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، 1998م.
محمد إسماعيل بصل، وفاطمة بلة، ملامح نظرية السياق في الدرس اللغوي الحديث، مجلة دراسات في اللغة العربية وآدابها، ع18، 2014م.
محمد حماسة عبد اللطيف، النحو والدلالة – مدخل لدراسة المعنى النحوي الدلالي، دار الشروق، القاهرة، ط1، 2000م.
محمد زكي خضر، اللغة العربية والترجمة الآلية، مؤتمر التعريب الحادي عشر، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، عمان، 2008م.
محمد زكي خضر، نحو معالجة الدلالة في اللغة العربية عبر قواعد البيانات: دراسة أولية لنص القرآن الكريم، المؤتمر الوطني السابع عشر للحاسب الآلي -المعلوماتية في خدمة ضيوف الرحمن-، جامعة الملك عبد العزيز، المدينة المنورة، 2004م.
محمد علي الخولي، علم الدلالة (علم المعنى)، دار الفلاح للنشر والتوزيع، الأردن، 2001م.
محمد غاليم، التوليد الدلالي في البلاغة والمعجم، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط1، 1987م.
محمود إسماعيل صالح، الحاسوب في خدمة الترجمة والتعريب، الثقافية، لندن، س 6، ع 2، 1999م.
محمود السعران، علم اللغة – مقدمة للقارئ العربي، دار الفكر العربي، القاهرة، 2006م.
مدحت يوسف السبع، من وسائل فك اللبس الدلالي في المعالجة الآلية للعربية – نموذج الفعل، مجلة المعجمية، ع 21.22، تونس، 2006، 71-91.
المعجم العربي الأساسي للناطقين بالعربية ومتعلميها، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، نسخة رقمية ممسوحة ضوئيًا.
ميشال زكريا، الألسنية التوليدية والتحويلية وقواعد اللغو العربية – الجملة البسيطة، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، ط2، 1986م.

 

[1] انظر محمد علي الخولي، علم الدلالة (علم المعنى)، ص 151-163.

[2] يعد ابن جني من أوائل علماء العربية الذين اهتموا بدراسة أثر القواعد الصوتية في إبراز المعاني الدقيقة للكلام؛ فبرع في استكشاف معاني الكلام من خلال سمت الألفاظ، فقال:” ومن وراء هذا ما اللّطف فيه أظهر، والحكمة أعلى وأصنع. وذلك أنهم قد يضيفون إلى اختيار الحروف وتشبيه أصواتها بالأحداث المعبَّر عنها بها ترتيبها، وتقديم ما يضاهي أوّل الحدث، وتأخير ما يضاهي آخره، وتوسيط ما يضاهي أوسطه، سوقًا للحروف على سمت المعنى المقصود والغرض المطلوب” (2003م، 1-512)

 

[3] انظر أحمد مختار عمر، علم الدلالة، ص 68.

[4] نختار عادة السمات ذات العلاقة (السمات المميَّزة) ففي حالة (بنت) ليس من المناسب أنختار السمات التالية: (مفترس، سريع، صُلب، أليف…إلخ).

[5] هناك ثلاثة أنواع من السمات: السمة الموجبة (+) مثل: (+حي) وتعني أن الكلمة فيها سمة الحياة (كائن حي). السمة الموجبة (-) مثل: (-اسم) وتعني أن الكلمة ليست اسمًا. السمة المزدوجة (±) مثل: (±ذكر) وتعني أن الكلمة تستعمل مع السمة الموجبة أو السالبة.

[6] يمكن لقواعد البيانات النموذجية المقترحة أن تكون مثالًا واضحًا للكثير من عمليات المعالجة الآلية التي يمكن أن تحدث عن تحليل النصوص المكتوبة، أو الترجمة الآلية أو التحليل والتركيب النحوي، أو الفهم الآلي للسياق. كم أنَّ القوانين التي كتبت عند بناء هذه النماذج يمكن استخدامها عند بناء تطبيقات موسعة لمعالجة المستوى الدلالي في اللغة العربية

[7] انظر: سلوى السيد حمادة وعمر مهديوي، المعالجة الدلالية الآلية للغة العربية – نحو بناء قاعدة بيانات معجمية للعلاقات الدلالية بين الكلمات، مقال في مدونة معجم اللهجات المحكية في المملكة العربية السعودية، تاريخ المقال: 28-12-2014م، تاريخ القراءة 24-9-2020م.

[8] انظر المعجم العربي الأساسي، جذر (ض ر ب)، ص 767.

[9] رابط موقع المدونة على الإنترنت: https://www.bibalex.org/ica/ar/default.aspx

0 Reviews

Write a Review

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى